(باب الهجرة)
  الرجل ظهره إلى ظهر رجل آخر إذا أرادا الاجتماع والمعاونة على فعل، والمراد هنا أنهم تعاونوا، أو لم ينه بعضهم بعضاً عن العصيان فكأنهم قد تعاونوا بالعصيان لله تعالى (أو) الرحلة من دار لم يتعاون أهلها على العصيان بل قد نهى بعضهم بعضاً عن ذلك ولكنه لم يفد النهي شيئاً لأنه (ظهر) العصيان بسلطان وقوة من العاصي (من غير جوار) من المسلمين والمؤمنين فحينئذ تكون الدار دار كفر إن كان العصيان يوجب الكفر أو دار فسق إن كان العصيان يوجب الفسق فتجب الهجرة عنها (إلى مكان خليٍّ عنهما) أي عن صفة الدارين المتقدم ذكرهما وهما الدار التي تظاهر أهلها بالعصيان والدار التي ظهر فيها العصيان من غير جوار أي إلى موضع لا يتظاهر أهله بالعصيان ولا يظهر من غير جوار.
  واعلم أن الدور ثلاث، ولها أحكام وهي أن من رأيناه في دار الإسلام وكان مجهول الحال وجب اعتقاد أنه من المسلمين في الظاهر لا في نفس الأمر وحينئذ تجري عليه أحكامهم ويعامل معاملتهم.
  ومن رأيناه في دار الكفر وهو مجهول الحال وجب اعتقاد كفره في الظاهر لا في نفس الأمر وتجري عليه أحكام الكفار.
  قالوا: ومن ثَمّ كان معرفتها من فروض الأعيان على كل من يتعلق به شيء من هذه الأحكام إذ لا تقليد في عملي يترتب على علمي فدار الإسلام ودار الكفر ثابتتان إجماعاً وإن اختلف في تفسيرهما.
  فعند أئمة العترة وبعض المعتزلة وغيرهم إن دار الإسلام هي ما ظهر فيها الشهادتان والصلاة ولم تظهر فيها خصلة كفرية ولو تأويلاً إلا بجوار وذمة من المسلمين كإظهار اليهود والنصارى دينهم في أمصار المسلمين فلو ظهر فيها الشهادتان والصلاة وظهر فيها خصلة كفرية كالجبر ونحوه من غير جوار كانت دار كفر.