شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

كتاب المنزلة بين المنزلتين

صفحة 56 - الجزء 4

  وقال القاضي عبدالجبار وأبو علي: لا نقطع بذلك عقلاً وإنما نجوزه تجويزاً فقط لاحتماله الكبائر؛ إذ ما من ذنب نشير إليه إلا ويحتمل أن يكون كبيراً محبطاً لجميع الطاعات ولهذا قال أبو علي: إن أقل قليل الطاعات يستحق عليها جزء واحد وأقل قليل المعاصي يستحق عليها جزءان من العقاب لعظم موقع المعصية في حق الله تعالى وليس كذلك موقع الطاعة لمكان إنعامه علينا بأصول النعم وفروعها وكيف ونحن لا نفعل الطاعة بل والمعصية إلا بنعمته التي يستحق عليها الشكر دائماً قال النجري: اتفقت المعتزلة على أن ذنوب الأنبياء ومن كان على صفتهم في العصمة كلها صغائر وذنوب الفساق كلها كبائر، ومن عداهم من سائر المكلفين فإنه يجوز في معاصيهم أن تكون صغائر وأن تكون كبائر إذ كون الذنب صغيراً أو كبيراً يحسب فله الثواب والعقاب وكثرتهما.

  قالوا: ونحن لا نعلم مقاديرهما.

  قلت: وهو مبني على الموازنة.

  (لنا) حجة على ما ذهبنا إليه من أن كل عمد كبيرة ورود الوعيد في قوله تعالى: ({وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا}⁣[الجن: ٢٣]، ولم يفصل) تعالى بين عصيان وعصيان في التوعد عليه بنار جهنم والخلود فيها، (و) كذلك (قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ١٤}⁣[النساء]، ولم يفصل) أيضاً بين عصيان وعصيان فاقتضى ذلك العموم في الآيتين أن كل عصيان لله تعالى يقتضي الخلود في النار وخصصنا الخطأ والنسيان وما وقع الاضطرار إليه بما سيأتي من الأدلة على سقوط عقابها.

  قالوا: الوعيد لا يقتضي كون الفعل المتوعد عليه كبيراً إذ يصح تناوله للصغيرة كالكبيرة ومن كان له ثواب مكفر لعقاب معاصيه حتى صارت صغائر