كتاب المنزلة بين المنزلتين
  المحكمات فاتبعوا أهواءهم وقلدوا أسلافهم وتعصبوا لهم فكانوا حينئذ في جملة من تعمد ذلك لأن حجة الله سبحانه على عباده قائمة وبرهانه واضح للأولين والآخرين بما ركب فيهم من العقول وبما دلهم عليه من الدلائل والبراهين أنه جل وعلا ليس كمثله شيء، وأنه لا يظلم العباد، ولا يرضى الفساد، ونحو ذلك، فليس عذر من اعتذر بالجهل في ذلك بمخلص له.
  ولو كان للجهل طريق واضحة وعلة مستقيمة لكانت على الله سبحانه الحجة لعباده تعالى عن ذلك حيث لم يدلهم ببرهان واضح وطريق نيرة أنه جل وعلا ليس كمثله شيء، وأنه لا يرضى الظلم والفساد.
  وأيضاً فإنه لو كان جهلهم هذا عذراً لهم في عدم الكفر للزم ألا يكفر عبدة النيران والنجوم وعباد الأصنام ونحوهم وقد أجمعت المشبهة والمجبرة معنا على كفرهم مع أنهم قد تحروا واجتهدوا في طلب الحق.
  فالفارق بين المجبرة والمشبهة وبينهم معدوم وكونهم لم يرتكبوا الشيء الذي هو كفر بعينه وإنما ارتكبوا مثله وأنكروا المماثلة بخلاف عباد النجوم والأصنام ونحوهم مما لا يصلح أن يكون فارقاً.
  أما أولاً فنقول: إن الذي دانت به المجسمة من أن الله تعالى جسم ذو أعضاء تعالى الله عن ذلك هو عين ما جاء النبي ÷ بنفيه لا مثله؛ لأن الله سبحانه قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى: ١١]، فعم نفي المشابهة في أي شيء من الأشياء.
  وأما ثانياً فلأنه لا فرق بين أن يكون ذلك عين ما جاء النبي ÷ بنفيه أو مثله لأن العلة في كفرهم هي جهلهم بالله تعالى وسبهم له جل وعلا وردهم آيات القرآن المحكمة مع وضوح الدلالة بما ذكرناه وإنكارهم للماثلة إنكار للضرورة، والله أعلم.