كتاب المنزلة بين المنزلتين
  ( قلنا: ذلك عام ) كما ذكرتم ولكنه ( مخصص بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ) [المائدة: ٢٧]) ولفظ «إنما» يفيد الحصر، أي: لا يتقبل الله عمل عامل إلا من المتقين (فلو كانت) تلك الطاعة (مسقطة) لشيء من عقابه (كانت) إذاً (متقبلة)، والآية مصرحة بعدم قبولها.
  (و) هو أيضاً مخصص (بقوله تعالى): {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران: ١٩٥]، (والخطاب) في قوله تعالى: {منكم} (للمؤمنين فقط)؛ إذ الآيات المتقدمة فيهم.
  (و) مخصص أيضاً (بقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}) [الفرقان: ٢٣] (أي: باطلاً)، والآية في سياق المجرمين عموماً لأن الآية التي قبلها: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا ٢٢}[الفرقان].
  ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ٣٣}[محمد]، وقوله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ٢}[الحجرات]، وغير ذلك.
  (فلو كان) ما عمله المجرمون من الطاعات (مسقطاً) لشيء من عقابهم (لم يكن باطلاً) إذ قد عاد عليهم نفعه والآيات مصرحة ببطلانه والهباء هو ما يخرج من الكوة مع ضوء الشمس شِبْه الغبار شُبِّه به أعمالهم في البطلان ووصفه بأنه منثور زيادة تأكيد لذلك لأنه يرى منتظماً فإذا حركته الريح تناثر وذهب كل مذهب، وفي أمثال العرب: هو أقل من الهباء.
  قلت: وقال في الكشاف في تفسير الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً من فريق السعداء، ومن يعمل مثقال ذرة شراً من فريق الأشقياء لأنه جاء بعد قوله: «يصدر الناس أشتاتاً» وحينئذ لا حجة فيها للمخالف.