كتاب المنزلة بين المنزلتين
  وحكى البستي عن الناصر # أنه قال: إن الله تعالى لا يدع جزاء على صالح أعمال مرتكب الكبيرة لا في الآخرة بل في الدنيا يمده بالزيادة في عمره وإمهاله والسلامة والصحة في بدنه وجوارحه أو أن يضاعف المنن والإحسان لديه بالتثمير في ماله والنمو في ولده حتى يوفيه من الجزاء على صالح عمله في الدنيا.
  قلت: ولعل هذا معنى قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ١٥ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ...} الآية [هود]، والله أعلم.
  ويؤكد ذلك ما أخرجه مسلم عن أنس في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}[النساء: ٤٠]، قال: قال رسول الله ÷: «إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعى بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها». انتهى.
  وإذا كان هذا في الكافر فكذلك مرتكب الكبيرة إذ هما سواء في استحقاق الخلود في النار.
  (قالوا): أي قال مخالفونا الذين ذهبوا إلى أن الإحباط والتكفير بالموازنة (يفرق في العقل بين من أحسن بعد الإساءة وبين من أساء ولم يحسن) أي يحكم العقل بأن الذي أحسن وأساء له مزية وفضل على من أساء ولم يحسن وما ذاك إلا أن يحسب له ثواب طاعاته فيسقط بقدره من عقاب عصيانه.
  مثال ذلك: رجلان أحدهما قطع عمره في عبادة الله ø ثم فعل كبيرة ومات.