(فصل):
  ونحن نقول: إسبال النعم من الله سبحانه تفضل والتكليف حق لله تعالى على كل من تفضل عليه ممن يقدر من خلقه ويعلم لأن التكليف تحميل الشكر عل ما أنعم سبحانه عقلاً من حيث أن العقلاء يذمون العبد ويوجبون عقوبته إذا لم يتحمل ما حمله المالك المنعم عليه ويمتثل أمره إذا كان مطاقاً غير قبيح وشرعاً من حيث إن الله تعالى يقول: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا}[سبأ: ١٣]، فلما تقرر أنه حق لله تعالى علمنا عدم وجوبه عليه وهم يقولون: ليس الغرض بالتكليف إلا التعريض إلى المنافع المستحقة في مقابلة الفعل ونحن نمنع كون المنافع مستحقة في مقابلة الفعل لأن الفعل شكر من حيث إنه امتثال لأمر المالك المنعم وأمر المالك المنعم يجب امتثاله وإلا وجب ذم العبد المخل به وعقوبته عند العقلاء فلما كان الفعل شكراً في مقابلة النعم كانت المنافع التي جعلها الله سبحانه جزاء على الفعل تفضلاً محضاً.
  يؤيد ذلك قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ}[الروم: ٤٥]، أي من تفضله.
  وقوله تعالى حاكياً عن أهل ثوابه: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ٢٧}[الطور]، والمن هنا التفضل بلا خلاف وهذا نص في موضع الخلاف فلما لم تكن المنافع واجبة عليه لم يكن اللطف الذي هو سببها على ما زعموا واجباً لعدم وجوب المتسبب عنه أعني الثواب. انتهى كلامه #.
  وهذا هو الموافق لما قد قرره # فيكون استحقاق الثواب من جهة السمع فقط من حيث إن الله سبحانه قد وعد به وسماه أجراً وجزاء تفضلاً منه جل وعلا وهو لا يخلف الميعاد.
  ويمكن أن يقال: إن العقل يحكم باستحقاقه بالتدريج الذي ذكرناه آنفاً، والله أعلم.