(فصل):
  عن عاصيهم إنما هو أماني باطلة لا برهان عليها بقوله: ليس بأمانيكم أيها المسلمون ولا أماني أهل الكتاب أي رجائكم العفو عن العاصي منكم أماني ليست حاصلة وهذا معنى قوله: ليس بأمانيكم، ثم أكد ذلك بقوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} أي لا بد من الجزاء للعاصي منكم ومنهم ولا عفو وهذا تصريح بأن الإرجاء باطل فثبت بصريح معناها وبسبب تنزيلها ترجيح جانب الوعيد للفساق. قال: ولا وجه لما رواه البغوي في المصابيح عن عائشة في أن المراد نجزيه في الدنيا؛ لما قدمنا في ذلك. انتهى
  قال النجري: وكان الإمام المهدي # قد قوى دليل أبي حنيفة ومن قال بقوله في الإرجاء وهو التوقف ورجاء العفو عن الفساق لتعارض عمومات الوعد وعمومات الوعيد، قال: لولا هذه الآية؛ لأن دلالتها على نفي الإرجاء قطعي وذلك لأن العام إنما يكون ظني الدلالة عند بعضهم فيما عدا سببه فأما في سببه فهو قطعي فيه اتفاقاً.
  قال: فهذه الآية لا تحتمل التخصيص بآيات الوعد كما يحتمله غيرها من العمومات لأن فيه نقض ما سيقت له من الرد على من أرجى من المسلمين والكتابيين، وكذا كل عام لا يصح أن يخص بخروج سببه إذ يلزم منه التناقض؛ لأن تناوله قطعي فلا يصح إخراجه منه. كذا ذكره النجري.
  قال: وكأنه # لم يصح له ترجيح عمومات الوعيد بشيء مما ذكرناه أو لترجيح المذهب إما لأن الترجيح يفيد غلبة الظن فقط أو لأن العام دلالته ظنية كما هو قول الأكثر في أصول الفقه فعدل إلى هذا الوجه لأن دلالته على نفي الإرجاء قطعي كما ذكرنا.
  قال الإمام #: (ونحوهما) أي نحو هاتين الآيتين (من الآيات الخاصة في عصاة أهل الصلاة) كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا