شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر عذاب القبر نعوذ بالله تعالى منه

صفحة 251 - الجزء 4

  ولا يلزم من ذلك أن يكون ذلك في كل عاص لأنه تعجيل لبعض العقوبة فيجوز أن يعجل لبعض ويؤخر عن بعض والله أعلم.

  ويؤكد هذا ما وقع من انخساف قبور بأهلها منها قبر محلم بن جثامة في وقت النبي ÷ وقبر الزبيري الذي حلفه يحيى بن عبدالله # ومنها قبور انخسفت في وقتنا وروايات الثقات لنا وما يكون ذلك إلا مع عذاب أهلها وإلا فلا فائدة في انخساف قبرٍ صاحبه كالجماد.

  وأما ما احتج به المنكرون لعذاب القبر من السمع فقوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ١٠٢ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا ١٠٣ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ١٠٤}⁣[طه]، ونظائر ذلك، فلو كانوا معذبين في القبور لعلموا طول مقامهم فيها.

  وقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}⁣[الدخان: ٥٦]، فأخبر أنه لا موت إلا الموتة الأولى وإثبات عذاب القبر يناقض ذلك فوجب نفيه.

  قال الإمام المهدي #: وهذه شبهة قوية لكنا نقطع أنها ليست على ظاهرها من طريق لا ينازع فيها الخصم وذلك أنه قد ورد في القرآن أن في الناس من مات في الدنيا ثم أحياه الله ثم مات من بعد ذلك وذلك في زمان موسى وحزقيل وعيسى وذلك يوجب تأويل الآية لأنه قد ثبت غير الموتة الأولى وإذا كانت مصروفة عن ظاهرها عندنا وعنده لم يستقم له الاحتجاج بظاهرها حينئذ فيكون الاستثناء في الآية منقطعاً والحصر إنما يستفاد من الاستثناء المتصل.

  قلت: الاستثناء منقطع على كل حال لأنه قال تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا}⁣[الدخان: ٥٦]، أي في الجنة وإنما احتج المخالف بقوله تعالى: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}⁣[الدخان: ٥٦]، فجعلها واحدة ولو كانت موتتان لقال تعالى: إلا الموتتين الأوليين، والله أعلم.