[امتناع معرفة المدرك غير الضروري بغير دليل]
  (فمن ادعى شيئاً) لا يدرك ضرورة (ولم يذكر الدليل عليه) أي: على ذلك الشيء أي: على صحته وثبوته فلا يخلو حاله إما أن يكون مما يعم التكليف بمعرفته جميع المكلفين أو لا.
  (فإن كان) الأول وكان (دليله) أي: دليل ذلك الشيء (مما شأنه لو كان) أي: لو ثبت في الحقيقة وفي نفس الأمر (لظهر لجميع العقلاء) ولم يختص به بعضهم لعموم التكليف بمعرفته في العلم والعمل، (كمن يدعي) من الكفار (كون الصنم إلهاً) فإن دعواه باطلة قطعاً إذ لو كان الصنم إلهاً لظهر الدليل على ذلك لجميع العقلاء لوجوب معرفة الإله وشكره وطاعته عليهم.
  (أو) كان دليل ذلك الشيء مما شأنه لو كان لظهر (لأهل الملة) الإسلامية لعموم تكليفهم به أيضاً علماً، أو علماً وعملاً (كمن يدعي صلاة سادسة) أي: وجوب صلاة سادسة؛ فإن التكليف بها علماً وعملاً يعم جميع أهل الملة الإسلامية، فلو كان عليها دليل لم يَخْفَ عليهم.
  فإذا كان ذلك الشيء المُدَّعى كما ذكرناه (فهو باطل قطعاً) للقطع (بعدم الدليل) عليه (وإلا) أي: ولو لم يقطع بعدم الدليل (لظهر) أي: لوجب أن يظهر ذلك الدليل (لجميع العقلاء في الأول) أي: في دعوى كون الصنم إلهاً (و) لوجب أن يظهر (لأهل الملة) الإسلامية (في الثاني) أي: في دعوى الصلاة السادسة.
  وإنما وجب ظهور الدليل فيما كان شأنه ما ذكر لأنه لو قُدِّرَ أن عليه دليلاً خافياً لم يظهر لجميع العقلاء أو لأهل الملة لزم منه الإخلال بذلك الواجب والمعاقبة عليه وهو تكليف لما لا يطاق؛ لأنه لا يعرف الوجوب إلا بالدليل والدليل غير معلوم لنا.
  ويلزم أيضاً تجويز واجبات علينا كثيرة لا نعلم أدلتها يلزمنا العقاب على الإخلال بها وذلك قبيح عقلاً فوجب القطع بعدم الدليل لذلك قال #: (وإن كان دليله) أي: دليل ذلك الشيء المدعى (ليس من شأنه ذلك) أي: