شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في معرفة الدليل لغة واصطلاحا

صفحة 209 - الجزء 1

  فنقول: إن رواية ابن عمر لو فرضنا صحتها لما دل فعل النبي ÷ على نسخ النهي المتقدم ولا على أن النهي للكراهة لا للتحريم لجواز أن يكون فعله في استقبال القبلة خاصاً به أو لعذر أو نحو ذلك، وهذا لازم لك على قود مذهبك في تعارض قول النبي ÷ وفعله فإنك لا تحكم بأن فعل النبي ÷ المعارض لقوله يكون نسخاً لقوله العام للمكلفين بل يكون فعله إما تخصيصاً وإخراجاً لنفسه ÷ من العموم أو نسخاً في حقه فقط، أو تكون الحالة حالة ضرورة، فحينئذ بطل احتجاجك بما رواه ابن عمر من فعله ÷ وتعين كونه شبهة بالدليل المتقدم الذي أنت مسلم له.

  وإن كان ظنياً (أو) لا يستلزم ذلك الدليل الظني الخصم لكنه (يدل على صحة كونه) أي: الظني دليلاً على ما دل عليه دليل قاطع في الظنيات خصوصاً أي: الدليل الظني الذي يستلزمه الخصم أو لا يستلزمه بل دل على كونه (دليلاً) دليلٌ (قاطعٌ) فإنه يعرف به كون دليل الخصم شبهة (في الظنيات) فقط كالقياس الذي يبطل به دليل الخصم نحو أن يتسدل الخصم على جواز أكل القريط بظاهر قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}⁣[البقرة: ٢٩]، فيبطل قوله بالقياس على الخمر بجامع الإسكار والقياس وإن أفاد الظن في بعض الصور فإنه قد دل الدليل القاطع على وجوب العمل به على ما هو مقرر في موضعه.

  (لا بغيرهما) أي: إنما تعرف الشبهة بالدليلين المتقدمين لا بغيرهما من سائر الأدلة الظنية التي لا يستلزمها الخصم ولا يدل على كونها أدلة قاطعٌ.

  مثاله: لو استدل على وجوب الزكاة في القليل والكثير بقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}⁣[الأنعام: ١٤١]، وقوله ÷: «فيما سقت السماء وأنبتت