(فصل): في ذكر حقيقة الحد
  كما إذا قيل: ما الذابل؟ فيقال: الرمح، أو ما الليث؟ فيقال: الأسد، فإذا قيل: ما العالِم؟ وقيل: هو من يمكنه إحكام الأشياء المتباينة وتمييز كل منها فلا بد أن يراد به كل من يمكنه ذلك من المخلوق والخالق وحينئذ لم يكن شرحاً ولفظاً مرادفاً لعالم لأن العالم حقيقة هو الله تعالى فقط فلم يكن اللفظان مترادفين.
  وإن سلم الترادف لزم من ذلك إيهام التشبيه فيكون الخالق والمخلوق في هذا الاسم مستويين في كونهما عالمين بعلم أو عالمين بغير علم وهو محال.
  وأيضاً فإن قولهم في حد العالِم هو المختص بصفة لمكانها يصح منه الإحكام تحقيقاً أو تقديراً لا يصح إلا في المخلوق لأن قولهم: المختص بصفة لمكانها يصح منه الإحكام أي: لأجل تلك الصفة يصح منه الإحكام فالصفة التي اختص بها العالِم علة في تسميته عالماً لولاها لما سمي عالماً وهذه الصفة لا بد أن تكون غير الموصوف وإلا لما صح أن يقال: هو المختص بصفة لمكانها يصح منه الإحكام وهذه الصفة إنما هي العلم وذلك محال في حق الله تعالى وكذلك قولهم في القادر والحي ونحو ذلك.
  لا يقال: فإنه تعالى شيء وقد شاركه غيره في كونه شيئاً.
  لأنا نقول: ليس في قولنا شيء تشبيه لأنه اسم عام يقع على الأشياء المتشابهة والشيء الذي ليس كمثله شيء.
  ولا بد مع ذلك من قيد لا كالأشياء لما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولو لم يسم تعالى شيئاً لكان غير شيء وهو محال؛ لأن المعدوم ليس بشيء.
  قال القاسم بن إبراهيم # في كتاب المسترشد: فإن سأل من الجهمية سائل فقال: هل الله شيء؟ قيل له: نعم، الله شيء لا يشبه بالأشياء، الأشياء مشيَّأة وهو سبحانه شيء لا مُشَيَّأ.
  فإن قال: أنت شيء؟ قيل له: نعم، أنا شيء مشيّأ لا أني شيء غير مشيأ، والله تعالى شيء لا مشيأ، بل الله مُشَيِّئ الأشياء لا يشبه ما شَيَّأ، فليس في قولي: أنا شيء