شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في حدوث العالم]

صفحة 275 - الجزء 1

  وعاصفة ورخاءً ولواقح، وتارة بالرحمة وتارة بالعذاب وتارة مثيرة للسحاب المسخر بين السماء والأرض تقلبه بمشيئة الله سبحانه كيف شاء وتسوقه إلى حيث يشاء يمطر به حيث يشاء بمقدار معلوم مدرك حدوثه ضرورة ومعلوم كونه بعد أن لم يكن عياناً مع ما فيه من الآيات الباهرات والدلالات الواضحات على عظيم القدرة والسلطان والرأفة والإحسان وأن منشئها وصانعها ومبتدعها لا يحاط بعلمه ولا يدرك كنه وصفه وأنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وذلك لما كانت مصنوعاته تحار العقول في الإحاطة بعلمها وفي إدراك اليسير من كنهها، ولله القائل⁣(⁣١):

  وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد

  وإذا ثبت حدوث العالم بما ذكرنا من الأدلة (فحدوث العالم لا يخلو إما أن يكون لفاعل) صنعه وأثر فيه (أو لغيره) أي: لغير الفاعل مما زعموا من المؤثرات التي لا أصل لها فضلاً عن تأثيرها.

  (أو لا لفاعل ولا لغيره) ولا تحتمل القسمة غير ذلك.

  (ليس) المؤثر في حدوث العالم القسم (الثالث) وهو لا لفاعل ولا لغيره؛ (لأن تأثيراً لا مؤثر له محال) بقضية العقول، (وبذا) أي: وبكون تأثير لا مؤثر له محال عند العقلاء (يعرف بطلان قول عوام الملحدة: إن الدجاجة والبيضة محدثتان ولا محدث لهما) فيقولون: لا نعرف دجاجة إلا من بيضة ولا بيضة إلا من دجاجة، وكذا قولهم في الحوادث اليومية.

  ويكفي في بطلان قولهم كونه جحداً للضرورة فإن العقلاء يحكمون بفطرة عقولهم أن المحدَث لا بد له من محدِث، وأن الأثر لا بد له من مؤثر.


(١) ذكر في طبقات الشعراء هذا البيت لأبي العتاهية وهو مذكور أيضاً في ديوانه وقبله:

أيا عجبا كيف يُعصى الإلـ ... ـهُ أم كيف يجحده الجاحدُ

ولله في كل تحريكة ... وتسكينة أبداً شاهدُ