شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في حدوث العالم]

صفحة 281 - الجزء 1

  يُؤْمِنُونَ ٩٩}⁣[الأنعام]، ففلق الحب يا بني والنوى والإصباح وإخراج الحي من الميت والميت من الحي بأوضح الإيضاح وما جعل من الليل سكناً ولباساً مُكِنّاً والشمس والقمر حسباناً معدوداً وما جعل في النجوم للسائرين من الهدى وإنشاء البشر من نفس واحدة فما لا ينكره فرقة ملحدة ولا غير ملحدة وما استودع منهم في الأرحام والأصلاب وما استقر منهم في قرار الأرض وعلى متن التراب وما أنزل من الماء من جو السماء وما أخرج به من نبات وأحيا به من الأرض بعد الموات، وما أخرج به من خَضِر الألوان المختلفة وأصناف الحبوب المتراكبة المتصفة وما أخرج به من النخل وطلعها وقنوانها الدانية عند ينعها، وما أخرج به من جنات الأعناب ذوات الألوان وما تشابه أو لم يتشابه من الزيتون والرمان فمعاين كله بما قال الله فيه مشهود بيِّن فيه كله أثر صنع الله موجود لا يقدر أحد له بحجة على إنكار ولا يمتنع حكيم على الله فيه من إقرار.

  ومن توقيفه سبحانه المُكْرَم وتعليمه تبارك وتعالى المحكم قوله: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ٣١ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ٣٢}⁣[يونس].

  وكل ما ذكر الله سبحانه من هذا كله فقد علمنا بيقين وأدركنا بقلب وعين أنه مرزوق غير رازق، ومخلوق ليس لنفسه بخالق، ومملوك غير مالك من نفسه لشيء، ومخرَج ومحياً غير مخرِج لنفسه ولا محيي، وكل أمر السماء والأرض فقد يعاين مدَبَّراً غير مدبِّر ويُرى أثراً بأبين شواهد التأثير من مؤثِّر فلا بد بِبَتِّ اليقين من رازق ما يُرى من الأرزاق ومدبر ما يعاين من أثر التدبير في السماوات والآفاق، ومالك ما يرى مملوكاً غير مالك من السمع والأبصار ومخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي بمواقيت وأقدار ولا بد من مدبر الأمر الأعم الكلي