(فصل): [في حدوث العالم]
  ولن يوجد ذلك إلا الله الأعلى فوق كل علي.
  ومن ذلك أيضاً قوله تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ ٥٨ ءَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ٥٩}[الواقعة]، فالله سبحانه هو الخالق ونحن الممنون ليس لنا في ذلك غير إمناء المني من صنع ولا نقدر بعده لما قدر بيننا من الموت على منع فتقدير صنعنا كله وتدبيره وتبديل خلقنا إن شاء خالقنا وتغييره إلى من تولاه دوننا وكان منه لا منا كما قال سبحانه: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ٦٠ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ٦١ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ ٦٢}[الواقعة]، فقرر سبحانه بمعلوم غير مجهول، وذكر بما لا ينكره سليم العقول من نشأة الصنع الأولى فتبارك الله العلي الأعلى.
  ثم قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٦٣ ءَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ٦٤}[الواقعة]، فالله هو الزارع ونحن الحارثون ليس لنا في الزرع سوى حرثه من حيلة موجودة ولا معدومة، ولا نقدر بعد الحرث له على الإنشاء منه لسنبلة محمودة ولا مذمومة، وقدرتنا فإنما هي على الحرث والاعتمال وعلى خلافهما من الترك والإغفال، وكذلك فلله من القدرة بعد على إبطال الزرع وإبلائه مثل الذي كان له من القدرة قبل على تثميره وإنمائه ولا يقدر على أمر إلا من يقدر على خلافه وعلى فعل كل ما كان من نوعه وأصنافه فمن لم يكن كذلك وتصح صفته بذلك كان برياً من القدرة عليه وكان العجز في ذلك منسوباً إليه كما قال الله في الزرع سبحانه بعد إكماله: {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ٦٥ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ٦٦ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ٦٧}[الواقعة].
  وكذلك إعذاب الماء وما يعاين من تنزيله من جو السماء فلا يقدر على إعذاب الماء وإنزاله إلا من يقدر على إيجاجه وإقلاله كما قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ٦٨ ءَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ٦٩ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ٧٠}[الواقعة]، وكل فعلِ فرع لا يتم إلا بأصله