(فصل): [في حدوث العالم]
  ففاعل الأصل أولى بفعل فرع أصله كشجرة النار وأصول الأشجار التي من الأرض والماء والجو والسماء فصنع هذه الفروع لمن كان له صنع الأصول لا ينكر ذلك منكر، ولا يدفعه إلا بمكابرة فطرة العقول كما قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ٧١ ءَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ٧٢ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ٧٣ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ٧٤}[الواقعة]، فكلما نبه به من هذا ودل عليه فداع من معرفته سبحانه إلى ما دعا إليه.
  ومن ذلك أيضاً فقوله تبارك وتعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ١٧}[الحديد]، فإذا كانت حياة الأرض بعد موتها موجودة ومَيتَتُها التي كانت تُعلَم قبل حياتها مفقودة فلا بد اضطراراً ثابتاً ويقيناً لا تدفعه النفوس باتاً من إثبات مُمِيتها ومحييها إذ بان أثر تدبيره فيها بأكثر مما يعقل من الآثار وأكبر ما تعرفه النفوس من الأقدار مما لم ير له من الحياة قط مؤثر ولم يوجد له من المدبرين قط مدبر إلا من يزعم أنه من الله لا منه، ومن يقر أنه من الله دونه مثل المسيح ابن مريم وغيره ممن أُعْطِيَه من ولد آدم.
  ومن تعريفه القريب وتوقيفه العجيب قوله سبحانه: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٨٤ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ٨٥}[المؤمنون]، فلما كانت الأرض مملوكة ومن فيها لما تبين من أثر الملك عليها ثبت مالكها عند معاينتها غير مدفوع ووجد صانعها باضطرار غير مصنوع ... إلى آخر كلامه # في مثل ذلك.
  وهذا دليل آخر لبعض أئمة أهل البيت $:
  قال: إن سأل سائل فقال: من أين علمتم أنكم مخلوقون وأن لكم خالقاً؟
  قلنا له: من قبل أنا شاهدنا الدنيا وما فيها فرأينا الإنسان أقرب الأشياء إلى نفسه فنظرنا فيه فوجدناه كبيراً بعد أن كان صغيراً ثم رأيناه إنساناً كاملاً بعد أن كان نطفة من ماء مهين، لا سمع فيه ولا بصر، ولا شعر ولا بشر، ولا عظم ولا عصب.