شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في حدوث العالم]

صفحة 284 - الجزء 1

  ثم رأيناه قد أُحكِم بناؤه، والتفت أجزاؤه، ولُوْحِكَت⁣(⁣١) أعضاؤه، وشق له السمع والبصر بعد أن كان نطفة نطق بأفنان العبر فانبسطت يداه وحمله ساقاه، ودبت به قدماه، واعتدلت فيه الأمور، وظهرت عليه آثار التدبير، لم يكن له في كون شيء من قبل ذلك حيلة ولا إلى صرفه سبيل.

  فعلمنا أن هذا الإنسان وما أشبهه مخلوق والله خالقه ومدبره سبحانه وتعالى فلو لم يكن لنا إلى ربنا دليل ولا إلى العلم به سبيل غير هذا لكان كافياً فكيف وقد وجدنا أرضاً تُقِلُّنا وسماءً تُظِلُّنا وجواً فتق تحتنا وشمساً تضحي وقمراً يسري ونجوماً تجري، آثار الصنع فيها ظاهرة وأحكام التدبير لها قاهرة تدل أنها من أحكم الحاكمين.

  فلو أن قائلاً قال: ما يدريكم أن الخالق لا يُشبه المخلوق، وأن القديم لا يشبه المحدث؟

  قلنا له: لا يخلو ذلك من وجوه ثلاثة إما أن يكون الخالق يشبه المخلوق في كل شيء، وإما أن لا يشبهه في شيء دون شيء أو في كل شيء، فإن أشبهه في شيء أو في كل شيء لزمه حكم ذلك الشيء ولم يكن الخالق أولى أن يكون الخالق من المخلوق ولم يكن المخلوق أولى أن يكون مخلوقاً من الخالق وفي ذلك إبطال الخالق والمخلوق والقديم والمحدث، ولو كان محدثاً دخل عليه الضعف والحاجة والزيادة والنقصان وجميع هيئات الخلق تدل على حدثها وابتداعها.

  وقال الإمام أحمد بن سليمان #: من ذلك أنا نظرنا إلى الهواء وما فيه من السعة والرقة والصفاء، وكونه مكاناً للكثيف واللطيف من الأشياء فإذا هو قد قدر أحسن تقدير، وجعل حياة للكبير من الحيوان والصغير، وجعل صافياً نقياً من الآفات والأكدار، وجعل لونه أخضر يميل إلى السواد لموافقة الأبصار،


(١) لوحكت: لَحَكَه كمنعه: أوجره الدواء، وبالشيء شد التئامه. تمت (قاموس).