(فصل): [في حدوث العالم]
  ولكن تأمل المنفعة في غروبها فإنه لولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار ولا راحة مع عظم حاجتهم إلى ذلك لراحة أبدانهم وجموم حواسهم وانبعاث القوة الهاضمة للطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء كالذي وصفت كتب الطب من ذلك.
  ثم كان الحرص يحمل بعض الناس من أهل الحرص على مداومة العمل ومتابعته لتكثر منافعهم واكتسابهم فيضر ذلك بقواهم وبأجسادهم.
  ثم كان جهلهم ورغبتهم في الكسب وتثمير المال يؤديهم إلى التلف فإن كثيراً من الناس لولا جثوم هذا الليل عليهم بظلمته لما هدأوا عن العمل رغبة في الكسب ولا قروا.
  ثم كانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس عليها واتصاله بها حتى يحرق كل ما عليها من حيوان ونبات.
  فصارت بتدبير الله جل ذكره على ما ترى تطلع وقتاً بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت ليقضوا حوائجهم ثم تغيب عنهم مثل ذلك ليقروا بهذا.
  وصار النور والظلمة على تضادهما متعاقبين على مصلحة الخلق وقوام العالم ومنفعتهم.
  فكر في تنقل الشمس في هذه البروج الاثني عشر لإقامة دور السنة وما في ذلك من التدبير فهذا الدور هو الذي يضم الأزمنة الأربعة من الشتاء والربيع والصيف والخريف وتستوفيها على تمام؛ لأنه في هذا المقدار من دور الشمس تدرك الغلات والثمار وتنتهي إلى غايتها من النضج والصلاح، ثم تعود وتستأنف النَّشر والنمو.
  فما أحسن ما قال الأولون: الزمان مقدار الحركة، ألا ترى أن السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى الحمل فبالسنة وأجزائها يكال الزمان وتوزن الأوقات من لدن خلق الله آدم وأدار الفلك إلى كل وقت وعصر وبها يحسب