شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): [في حدوث العالم]

صفحة 292 - الجزء 1

  الناس أوقاتهم وأعمارهم المؤقتة لهم فيعرفون حلول ديونهم ووجوب فروضهم واستحقاق أموالهم وإجاراتهم وغلاتهم ومعاملاتهم وسائر أحوالهم، وبمسير الشمس تكمل السنة ويقوم حساب الزمان على صحة.

  فأما مسير القمر ففيه دلالة جليلة على معرفة الشهور وما ينتفع به بعض الناس دون بعض وليس يقوم عليه حساب السنة لأن دوره لا يستوي في الأزمنة الأربعة وفي نشوء الثمار وإدراكها ولذلك صارت شهور القمر وسنوه تختلف عن شهور الشمس وسنيها، وصار الشهر من شهور القمر ينتقل فيكون مرة في الشتاء ومرة في الصيف.

  تأمل شروق الشمس على العالم كيف دبر فإنها لو بزغت في موضع من السماء ووقفت فيه فلم تتعده لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات لأن الجبال والجدرات كانت تحجبها فصارت بتدبير الله جل وعز لها وتقديره تطلع أول النهار من المشرق فتطلع على ما يقابلها من جهة المغرب ثم لا تزال تدور وتغشى جهة جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار فلا تبقى جهة و لا موضع إلا أخذ بقسطه من الإرب والحظ في المصلحة والنفع.

  فكر في مقادير النهار والليل وقف على ما فيها من صلاح الخلق إذ صار منتهى كل واحد منها إذا امتد خمس عشرة ساعة لا يجاوز ذلك، أفرأيت لو كان النهار يكون نحو مائة ساعة أو مائتي ساعة ألم يكن في ذلك بوار العالم وهلاك جميع ما على الأرض من حيوان ونبات.

  فأما الحيوان فكان لا يهدأ ولا يقر طول هذه المدة من العمل والاحتراف والبهائم لم تكن تمسك عن الرعي ما دام لها ضوء النهار، والإنسان ما كان يفتر عن العمل والحركة فكان ذلك ينهكهما جميعاً ويؤديهما إلى الهلاك.

  وأما النبات فكان يطول عليه حر الشمس ووهجها فيذوى ويذبل ويجف ويحترق.