(فصل): [في حدوث العالم]
  منها بمسيرها في كل برج زماناً محدوداً معروفاً كما ترى يستدل على أشياء تحدث من الأنواء وانقلاب الأزمنة بتنقلها في بروجها ومنازلها ولو كانت كلها منتقلة لم يكن لمسيرها منازل تعرف ولا رسم يقاس عليه فإنه إنما يقاس مسير المنتقلة منها بتنقلها في البروج الراتبة كما يقاس سير السائر على الأرض بالمنازل التي يجتاز عليها ويحلها.
  وجملة القول أنها لو كانت كلها بحال واحدة لاختلط نظامها وبطلت المآرب فيها وساغ لقائل أن يقول إن كينونتها على حال واحدة يوجب الإهمال من الجهة التي وصفنا وهي اختلاف سيرها وتصرفها وما في ذلك من الأرب والمصلحة التي تدل على القصد والعمد والتدبير والتقدير.
  فكر لم صار الفلك شمسه وقمره ونجومه وبروجه يدور على هذا العالم هذا الدوران الدائم بهذا الوزن والتقدير إلا لما في اختلاف الليل والنهار من مصلحة الخلق وما في الأزمنة الأربعة من المنفعة لمن في الأرض من الحيوان وما عليها من النبات وما يتعاقب من المصالح فهل يخفى على ذي لب أن هذا تقدير مقدر حكيم بصواب الرأي والتدبير.
  فإن قلت: إن هذا شيء اتفق فما يمنعك أن تقول هذا في دولاب يدور فيسقي حديقة تشتمل على شجر ونبات ملتف فترى كل شيء من آلته مقدراً بعضه تلقاء بعض على ما فيه صلاح تلك الحديقة وما فيها؟ وبماذا يثبت هذا القول لو قلته؟ وما ترى الناس قائلين لك لو سمعوا هذا منك؟! سوى تسفيه رأيك وتضليل عقلك، أفتنكل أن تقول: هذا في دولاب حقير مصنوع بحيلة قصيرة من مخلوق ضعيف بمصلحة قطعة من الأرض يسيرة وتجسر أن تقوله في فلك السماء الدائر على جميع أهل الأرض فتزعم أنه بغير عمد وتقدير.
  أرأيت لو اعتل هذا الفلك كما تعتل الآلات التي تتخذ لرفع الماء والشيء الثقيل لما كان عند الناس من الحيل في إصلاحه ولو تخلفت الشمس عنهم