[دليل الدعاوى على حدوث العالم]
  ودبره اللطيف الخبير جل ثناؤه.
  تأمل أيها الإنسان حكمة الباري جل ثناؤه في خلق النار على ما هي عليه فإنها لو كانت ظاهرة كالنسيم والماء الجاري لكانت تحرق العالم وما فيه ولم يكن بد من ظهورها في الأحايين لنفعها وغنائها فجعلت كالمخزونة في الأجسام الحافظة لها تستثقب عند الحاجة لها فتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها ثم تخبو فلا يحتاج إلى أن تمسك بمواد الحطب فتسقط المؤنة فيها عن الناس ولم تظهر منبثة على العالم فتحرق وتفسد وصارت بتقدير الله جل وعز على ما قد اجتمع فيه الاستمتاع والانتفاع والسلامة من الضرورة والمؤنة.
  ثم في النار خلة أخرى وهي أنها مما خص به الإنسان دون جميع الحيوان لما له فيها من المنفعة والمصلحة فإنه لو فقد النار في الشتاء عند حاجته إلى الدفء لطال جهده ولو فقدها في ليله لساء عيشه، ودخل عليه الخلل في معاشه.
[دليل الدعاوى على حدوث العالم]
  واعلم أن كثيراً من المتأخرين يعتمدون في حدوث العالم على دليل الدعاوي وتقريره بأربعة أصول:
  أحدها: أن في الجسم عرضاً غيره.
  ثانيها: أن ذلك العرض محدث.
  ثالثها: أن الجسم لم يخل منه ولم يتقدمه.
  رابعها: أن ملازمته إياه تستلزم حدوثه.
  أما إثبات الأصل الأول وهو أن في الجسم عرضاً غيره فإنه معلوم بالضرورة لأن كل عاقل يفرق بين المجتمع والمفترق والمحترك والساكن تفرقة ضرورية لا تندفع بشك ولا شبهة والمراد بالعرض الصفة اللازمة للجسم كالاحتراك والسكون والاجتماع والافتراق ونحو ذلك، لا الكون الذي هو المعنى الذي يزعمه بعض المعتزلة كما سيأتي ذكره قريباً إن شاء الله تعالى.