شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر صفات الله العلي وأسمائه الحسنى

صفحة 323 - الجزء 1

  فإذا ولد أحدث الله له رزقاً في ثدي أمه لم يكن من قبل وجعل الله له آلة يستعملها لمنافعه في الحال والمآل فدلنا ذلك على الصانع الحكيم العليم الحي القدير الرؤوف الرحيم، المختار وهو الله رب العالمين.

  قال: ونظرنا إلى الآدميين وما يملكون من الحيوان فإذا هم لا يشتبه اثنان في صورة الوجه ولهجة الأصوات، قال الله سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ٢٢}⁣[الروم]، وكذلك لا يشتبه من الأنعام والخيل والدواب اثنان على كثرة ذلك وسعته، ولو اشتبه من الناس رجلان أو امرأتان لوقع الفساد لأنه لو غاب أحدهما فأتى شبيهه إلى امرأة الغائب لأفسد في زوجته وماله وكذلك لو اشتبه امرأتان لأشكل أمرهما على زوجيهما ولما عرف أحدهما زوجته من زوجة الثاني.

  وجعل الله اختلاف صور الوجه للنهار وجعل اختلاف الأصوات لليل، وكذلك فرَّق بين البهائم ولو اشتبه اثنان من الثمانية الأزواج والخيل والبغال والحمير لدخل على مالكها الضرر ولادعى الشيء غير مالكه، ولما لم يدخل على أحد ضرر في اشتباه الطير والسباع والسمك وغير ذلك أمكن فيها التشابه. انتهى.

  فهل يدبر هذا وغيره من بدائع أنواع العالم ويقدره إلا عالم حكيم، رب رحيم، فاعل مختار لفعله غير مضطر إلى صنعه، فقاتل الله العلية والمنجمة والطبعية وأشباههم ممن نفى الصانع الحكيم المختار وسحقاً لهم وبعداً كيف كذبوا عقولهم واتبعوا أهواءهم وآراءهم حيث أقروا بإثبات الصانع بزعمهم وزعموا أن العالم ظهر منه كظهور ضياء الشمس من الشمس وحر النار من النار ولو كان كما قالوا لعنهم الله وأخزاهم أن ذات الله سبحانه علة في وجود المعلول وهو العالم على التدريج الذي زخرفوه لما كان من أعاجيب العالم وإحكامه وصلاحه شيء؛ لأن تأثير العلة تأثير اضطرار فما جعل أحد الشخصين ذكراً والآخر أنثى بأولى من العكس، ولا جعل أحدهما طويلاً وأبيض وجميلاً وناقصاً