(فصل): في تنزيهه تعالى عن مشابهة غيره
  والبسطة، والوجه، والحجاب، أمثالٌ كلها، لا يضاف شيء منها إلى صفات البشر، فمن أضاف شيئاً منها إلى صفات الخلق فقد كفر، وإنما هذه الصفات من أمثال القرآن وهو قوله: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلا الْعَالِمُونَ}[العنكبوت: ٤٣].
  فنقول: إن المعنى في العرش والكرسي والوجه سواء، ليس بينهما فرق، والمعنى فيها واحد، فنقول: إن معنى الوجه في الله هو الله، ومعنى الكرسي في الله هو الله، ومعنى العرش في الله هو الله، لا شك في ذلك عندنا ولا ارتياب فيه.
  ونقول: إن معنى قول الله سبحانه: {أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}[البقرة: ١١٥]، كمعنى قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}[البقرة: ٢٥٥]، ومعنى قوله عند ذكر الوجه: {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: ١١٥]، كمعنى قوله عند ذكره الكرسي: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة: ٢٥٥]، وكمعنى قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه: ٥]. وإنما هذه الثلاثة أصناف كلها تشريف لله ø: والوجه الذي ذكره الله يستدل به على بهائه وحسن عظمته؛ والكرسي يستدل به على ملكه، ومعنى يستدل به على ملكه أنه يستدل به عليه لأنه الملك نفسه، وليس شيء مما خلق الله يزيد في ملكه؛ وكذلك الوجه يستدل به عليه؛ وكذلك العرش يستدل به عليه؛ لأنها أمثال قدمها الله تحكي من حسن الله وبهائه، أعني حسنه في ذاته، وبهاءه في ذاته، وليس ذلك الحسن والبهاء الذي هو الله ø على شيء من صفات حُسْنِ الخَلْقِ وبهائهم.
  ولا نصف الله ø بشيء من صفات البشر، بل نقول: إن معنى ذلك كله؛ إذ يعود كل صنف إلى أصله، إنه هو الله ø لا غيره، وليس نقول: إن ثم عرشاً مخلوقاً، ولا كرسياً مخلوقاً، ولا وجهاً مخلوقاً، وليس شيء من هذه الثلاثة الأمثال العرش والكرسي والوجه يوجد أبداً بصفة من الصفات، ولا بحلية من الحليات، إنما المعنى في هذا كله الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
  قال #: فإن قال قائل أو سألنا سائل، فقال: ما معنى العرش الذي ذكره الله في كتابه؟