(فصل: والله لا إله غيره)
  قال: وكلامهم في هذه الأقانيم في غاية الخبط والاضطراب لا تستقر له قاعدة ولا تعقل له حقيقة.
  قال: واعلم أن الأشبه عند التحقيق أن مراد النصارى من هذه الأقانيم التي زعموها هو هذه المعاني التي يثبتها هؤلاء الأشعرية، وبيانه: أن النصارى يعتبرون في تقرير مذهبهم وقولهم بهذه الأقانيم شرائط ثلاث:
  الأولى: وحدة الذات فإن عندهم أن الله تعالى واحد بالجوهرية.
  الثانية: أن الصحيح من مذهبهم أن هذه الأقانيم عندهم ذوات مستقلة بأنفسها ليست من قبيل الأحوال والصفات بل ذوات على حيالها منفردة.
  والثالثة: أن هذه الأقانيم متعددة في أنفسها وأعدادها ثلاثة كما سبق.
  وهذه الشرائط الثلاث لا توجد على الكمال إلا في مذهب الأشعرية فإن ذات الله عندهم هي أصل لهذه المعاني وهي غير متعددة، وزعموا أيضاً أن هذه المعاني مستقلة بأنفسها ذوات على انفرادها وهي القدرة والعلم والحياة وغيرها، وقالوا أيضاً: إن هذه المعاني متعددة في أنفسها فزعم بعضهم إنها سبعة وزعم بعضهم إنها ثمانية فحصل من هذا أن الشرائط التي اعتبرتها النصارى في قولهم بالأقانيم لا توجد إلا في مذهب هؤلاء الأشعرية فهم يضاهونهم في مقالتهم ويكرعون معهم في آجن ضلالتهم.
  قال: وقد فسر بعض النقلة من أهل المقالات كلام النصارى وقولهم بالأب والابن وروح القدس بما تقوله الفلاسفة من أنه تعالى عقل وعاقل ومعقول فهو من حيث إنه عقل لذاته أقنوم الأب، ومن حيث إنه عاقل لذاته أقنوم الابن، ومن حيث إنه معقول لذاته أقنوم روح القدس.
  قال: واتفقت آراء الفرق النصرانية على القول بالاتحاد ثم اختلفوا في كيفيته فقال بعضهم: إن الاتحاد كان بامتزاج الذاتين.
  وقال بعضهم: الاتحاد بالحلول، وزعم بعضهم: أن الاتحاد كان بالإنسان الكلي.