شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل: في الإشارة إلى ما يجب معرفته من ذات الله ø)

صفحة 471 - الجزء 1

  ذاته تعالى، وإنما يجب عليه من معرفته تعالى ما مر ذكره، ولهذا قال الوصي #: «مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ وَلَا حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ وَلَا إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ وَلَا صَمَدَهُ مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَتَوَهَّمَهُ».

  وقال #: «العقل آلة أعطيناها لاستعمال العبودية لا لإدراك الربوبية فمن استعملها في إدراك الربوبية فاتته العبودية ولم ينل الربوبية».

  وقال القاسم بن إبراهيم #: «جعل الله في جميع عباده فنين الروح والعقل وهما قوام الإنسان لدينه ودنياه وقد حواهما جسمه وهو يعجز عن صفتهما فكيف يتعدى هذا الجاهل إلى وصف الخالق وليس يقدر على وصف المخلوق».

  وقال الناصر لدين الله أحمد بن يحيى # في بعض خطبه: «فسبحان الذي فطر الأنفس على معرفته، ومنعها الإحاطة بكيفيته، وأنطق الألسن بوحدانيته وأَكَلَّهَا عن مبلغ صفته، واحتج بالعقول على ربوبيته وحجبها عن إدراك ذاته».

  وقال الإمام أحمد بن سليمان # في الحقائق: «فلما كان الله [تعالى] لا مثلَ له، علمنا أنه لا يجوز أن يتصوره المتصور، ولا يُتصور إلا ما يجب عليه الحدَثُ، ويلحقُهُ النّقص، فصحّ أن الله لا يُتصوّر، ولهذا سمّى نفسه لطيفاً باطناً، وسمّى نفسه ظاهراً قريباً، فقال تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}⁣[الأنعام: ١٠٣]، وقال تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}⁣[الحديد: ٣]، وقال تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}⁣[ق: ١٦].

  إلى قوله #: فمن رام إدراكه بالعقل، أو بالحواس، أو الوهمِ، أو الظنِّ أو التّصوُّرِ، فهو أبعدُ ما يكون، ولن يبلُغ إلى شيءٍ مما طلب، بل ترجع الأبصارُ حاسرةً وتصير العقول والأوهام حائرةً. ومن طلب معرفته واستدل عليه بصنعه فهو أقرب من كل قريبٍ وأكبرُ كلِّ موجودٍ، فهو الظاهر القريبُ بما أوجد من صنعه، وهو الباطن، البعيد، اللطيف من أن يُدرَكَ أو يُتوهَّم أو يُتصوّر، وقد قصرت الأبصارُ والحواسُّ والعقول عن صفة جسمٍ مرئيٍّ بصورةٍ مخصوصةٍ -