باب الاسم والصفة
  عنه، ومنه قولهم: أدخلت القلنسوة في الرأس والخاتم في الإصبع لأن القلنسوة والخاتم ظرف والرأس والإصبع مظروف فهو من المجاز المرسل ولا فرق بين أن يكون الحوض الآلة التي يصنعها من الأدم أهل الأنعام للسقي أو المعمول من الأرض وترابها على شفير الآبار والأنهار. قال في المطول: ووجهه أنه لما كان المناسب هو أن يؤتى بالمعروض عند المعروض عليه ويُتحرك بالمظروف نحو الظرف وهاهنا الأمر بالعكس قلبوا الكلام رعاية لهذا الاعتبار.
  والثامن عشر: قوله #: (أو المشاكلة في القول) أي: اتباع كلمة لأخرى قبلها في حروفها فقط للمشاكلة اللفظية والمعنى مختلف، ويكون في القول (تحقيقاً) أي: في القول المحقق الملفوظ به (نحو قول الشاعر(١):
  قالوا اقترح شيئاً نُجِد لك طبخه) من الإجادة ... (قلت اطبخوا لي جبة وقميصاً)
  أي خيطوا لي جبة وقميصاً فشاكل بقوله: اطبخوا الكلمة الأولى التي في كلام القائلين، وهي طبخه حيث قالوا: اقترح شيئاً أي: اطلب منا شيئاً من الأطعمة نجد لك طبخه، وإنما أرادوا أن يجيدوا له طبخ ما أراد من الأطعمة، فأجابهم بغير ما أرادوا تنبيهاً على أنه إلى الجبة والقميص أحوج منه إلى الطعام فعبر عن لفظ خيطوا بلفظة: اطبخوا للمشاكلة.
  ومن المشاكلة قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٠]، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة: ١٩٤]، إذ لا يخفى أن المجازاة ليست سيئة ولا عدواناً.
  (أو) تكون المشاكلة في القول (تقديراً) أي: يكون القول الذي قصد مشاكلته مقدراً غير ملفوظ به (نحو: قوله تعالى): {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
(١) ذكر البيت في كثير من المصادر لأبي الرقعمق وهوكما في الأعلام: أحمد بن محمد الأنطاكي أبو الرقعمق شاعر فكِه تصرف بالشعر جداً وهزلاً ومجونا، أصله من أنطاكية وأقام بمصر طويلا يمدح ملوكها ووزراءها، وتوفي فيها سنة ٣٩٩ هـ. (باختصار) وقيل: انه لجحظة البرمكي.