(فصل): في حقيقة الحسن من أفعال العباد والقبيح منها
  وقال بعض (البغدادية) من المعتزلة وهو أبو القاسم البلخي ومن وافقه، (وبعض الإمامية، و) بعض (الفقهاء)، والمراد بالفقهاء أهل المذاهب الأربعة الشافعية والحنفية والحنبلية والمالكية، وهذه رواية صاحب الفصول عنهم، فهؤلاء قالوا: (بل) إنما يقبح الفعل (لعينه) أي لذاته وجنسه.
  قالوا: (لأن الأصل في مطلقها) أي مطلق الأفعال أي الأفعال التي لم يحكم العقل فيها بجهة حسن ولا قبح وذلك كالمشي في البراري ونحوه فالأصل في ذلك عندهم (الحظر) أي المنع فيكون من القبيح إذ علة القبح موجودة فيه وهي عين الفعل وذاته.
  قال النجري: وقد تؤول كلام البغدادية بأن معنى كون القبح مثلاً ذاتياً للظلم أنه لا يقع ظلم إلا وهو قبيح، وكذا الكذب وسائرها فهو ذاتي لما قد حصل فيه وجه القبح لا لمجرد ذات الفعل ويكون تسميته ذاتياً حينئذ مجازاً فقط فيكون كلامهم مثل كلام البصريين والله أعلم.
  وقال الإمام يحيى # في الشامل: فأما من زعم أن القبيح إنما يقبح لعينه فليس يخلو مراده من وجوه ثلاثة:
  إما أن يريد بذلك أنه لا يتغير قبحه بحسب حال فاعله خلافاً لما يقوله هؤلاء الأشعرية فهذا لا ننكره وهو خلاف في عبارة.
  وإما أن يكون مراده أن قبح القبيح إنما هو لأمر يخصه ووجه يقع عليه من غير أن يكون المؤثر أمراً خارجاً عن ذاته من فاعل أو علة فهذا جيد لا ننكره، وغالب ظني أن مراد أبي القاسم هو هذا الوجه فإن وجوه القبح والحسن في الأفعال جلية ظاهرة لا تغيب على مثله لتقدمه في الفضل واشتهاره بالاعتدال.
  وإما أن يكون مراده هو أن القبح مضاف إلى ذات القبيح وعينه فهذا فاسد؛ لأن المثلين قد يكون أحدهما قبيحاً والآخر حسناً، ومن حق ما كان ثابتاً للذات لا تختلف فيه الأمثال.