(فصل): في حقيقة الحسن من أفعال العباد والقبيح منها
  الظلم ونحوه وأن الأصل في مطلق الأفعال الإباحة - (عدم ذينك) أي الذم وتصويب المعاقبة (في) حق (من تناول شربة من ماء غير محاز) أو استظل تحت شجرة أو نحو ذلك.
  وأيضاً فإن القبح قد يعلمه من لا يعلم النهي كالملحدة فإنهم لا يعلمون الناهي فضلاً عن النهي فلو كان علة قبحه هي النهي عنه لم يعلموا قبحه.
  وأيضاً فإن الملحد وغيره ممن لا يعلم النهي لو رأى صبياً يريد أن يتردى في بئر أو في نار أو يمد يده ليلزم حية لاستحسن منعه من ذلك واستقبح تركه إياه وإن لم يكن له برحم وإنكار مثل هذا سفسطة.
  وقالت (الإخشيدية) من المعتزلة: (بل) إنما يقبح الفعل (للإرادة) المتعلقة به من جهة فاعله أي لإرادة القبح.
  قيل: وهو دور؛ لأن الإرادة إنما تقبح لقبح المراد فكيف يقبح المراد لقبح الإرادة، وفيه نظر، وشبهتهم أن الكذب إنما يكون كذباً بإرادة الإخبار عن الشيء لا على ما هو به.
  (قلنا) جواباً عليهم: المعلوم أن (العقل يقضي باستقباح الإضرار) بالغير (ولو صدر) ذلك الإضرار (من غير مريد) للإضرار به كمن يذبح غيره مريداً معرفة حد شفرته فقط، وكمن يأكل مال غيره عدواناً مريداً انتفاع نفسه غير مريد للإضرار بغيره؛ لأن العقل يقضي بقبح ذلك (ضرورة) أي بضرورته.
  وأيضاً فإن إرادة القبيح قبيحةٌ، بالاتفاق فلو كان القبيح لا يقبح إلا للإرادة لاحتاجت الإرادة إلى إرادة وتسلسل وهو محال.
  وأما قولهم: إن الكذب إنما يكون كذباً بالإرادة فإنا لا نسلم ذلك، بل يكون كذباً بمجرد المخالفة للواقع من دون إرادة، ولا تأثير للإرادة إلا في حصول الإثم وعدمه، فهو كالضرر الحاصل من المجانين ونحوهم يطلق عليه اسم القبح