(فصل): في حكم أفعال العباد
  إلا الشاذ النادر كالمتوكل(١).
  واختلف أهل الجبر بعد الاتفاق على أنه لا فعل يختص بالعبد فقالت (الصوفية)، وقد تقدم ذكرهم (والجهمية) أصحاب جهم بن صفوان: لا فعل للعبد ولكن الفعل (يخلقه الله فيه) فالعبد عندهم كالشجرة التي تتحرك بتحريك الله وإرادته ولا فعل للعبد البتة، ونسبته إليه كنسبة الطول والقصر والسواد والبياض في كون ذلك مجازاً لكونه محلاً للفعل.
  قال الذهبي: جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع رأس الجهمية والجبرية هالك في زمان صغار التابعين وما سمعته يروي شيئاً ولكنه زرع شراً عظيماً.
  وقال في التذكرة: إن جهماً دعا الناس إلى تعطيل الرب وخلق القرآن بخراسان وظهر في مقابلته بخراسان مقاتل بن سليمان المفسر وبالغ في إثبات الصفات حتى جسم.
  وقالت (النجارية) وهم فرق كثيرة من الجبرية بناحية الري منسوبون إلى
(١) هو جعفر بن محمد بن هارون بويع له لست بقين من ذي الحجة سنة ٢٣٢ هـ كانت أيامه أشد أيام مرت بآل الرسول من أيام بني العباس، كان شديد الوطأة شديد الغيض والحنق عليهم، وأعانه على ذلك من وزرائه عبدالله بن يحي بن خاقان وكان وزير سوء فبلغ في أمرهم ما لم يبلغه أحد ممن كان قبله من جبابرة آبائه، فهو الذي كَرَب قبر الحسين (ع) ووضع على طرق الزوار المسالح لا يجدون أحداً إلا جاءوا به فقتله أو نهكه عقوبة، وبالغ في عداوة أهل البيت (ع) حتى استعمل على مكة والمدينة عمر بن الفرج الرجحي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ومنع الناس من برهم والتقرب إلى الله بإعطائهم، وكان لا يبلغه أن أحدا بر أحدا منهم بشيء وإن قل إلا أنهكه عقوبة وأثقله غرما حتى كان القميص الواحد يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحده ثم يرفعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر، والمغنيات والصناجات والعوادات تُحْمَل إليهن أنواع الثياب الفاخرة على الإبل والبغال، وكان للمتوكل في أنواع العذاب ما لم يكن لغيره كالتنور التي أعدها لعذاب الناس، وكانت فيها مسامير وهي ضيقة فلا يتمكن المعذب من القعود فيها، وغير ذلك. (الشافي باختصار).