(فصل): في حكم أفعال العباد
  ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ١٨١ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ١٨٢}[آل عمران]، وقد حكمتم بأن كل كائن في السماوات والأرض حاصلٌ بقدرة الله وإرادته سواء كان طاعة أو معصية، وأنه لو عاقب الأنبياء وأثاب الكفار لكان ذلك عدلاً منه تعالى غير ظلم، فكيف يتهيأ الظلم الذي تمدح سبحانه بنفيه عنه، وهل يصح أن يتمدح جل وعلا بالمحال على زعمكم وهذا يبطل قول أهل الجبر من أصله، والله أعلم.
  واعلم أن المجبرة يكابرون عقولهم وينكرون الضرورة ولا يقبلون المراجعة في هذه المسألة وقد ناظرهم علماء العدل وأفحموهم في كل زمان فما زادهم ذلك إلا عتواً ونفوراً.
  روي أن ثمامة بن الأشرس اجتمع بأبي العتاهية(١) الشاعر الجبري عند المأمون(٢) فطلب أبو العتاهية مناظرة ثمامة فقال له المأمون: عليك بشعرك فلست من رجاله فأبى إلا المناظرة فلما حضر ثمامة قال أبو العتاهية وقد حرك يده: من حرك يدي يا ثمامة؟
  فقال: من أمه زانية.
  فقال أبو العتاهية: شتمني يا أمير المؤمنين.
  فقال ثمامة: ترك مذهبه يا أمير المؤمنين.
  وروى المسعودي(٣) في المروج أن أبا العتاهية تاب آخر زمانه وتزهَّد.
(١) إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، العنزي، أبو إسحاق الشهير بأبي العتاهية: شاعر مكثر. يعد من مقدمي المولدين، من طبقة بشار وأبي نواس وأمثالهما. ولد في (عين التمر) (١٣٠ هـ) بقرب الكوفة، ونشأ في الكوفة، وسكن بغداد. وتوفي (٢١١ هـ) في بغداد. (الأعلام للزركلي باختصار).
(٢) هو عبدالله بن هارون بويع له يوم الأحد ٢٥ محرم سنة ١٩٨ هـ وكان مؤثرا للذات على رأي سلفه وهو الذي سم علي بن موسى الرضا (ع) بعد أن كان قد بايعه هو وأهل بيته، وسم أيضا محمد بن جعفر بن محمد، ومن المقتولين في أيامه الإمام محمد بن إبراهيم والإمام محمد بن محمد بن زيد (ع) وعبدالله بن جعفر بن إبراهيم بن جعفر وغيرهم. (الشافي باختصار).
(٣) علي بن الحسين بن علي، أبو الحسن المسعودي، من ذرية عبد الله بن مسعود: مؤرخ، رحالة، بحاثة، من =