فصل: في أحكام قدرة العبد
  لأنه مقدور واحد وقد أنكرتم على المجبرة قولهم إن فعل العبد خلق الله(١) كسب للعبد.
  فالجواب والله الموفق: أنا لم نقل إنه لا بد في كل مقدور أن يكون بين قادرين أو أكثر وإنما قلنا: لا يمتنع في حكم العقل وقوع المقدور بين قادرين كما ذكرنا لما أوضحناه من الدلالة وقد دل العقل والسمع على أن أفعال العباد منهم خالصة وأن الله سبحانه لم يشاركهم في فعلها وأنه جل وعلا ابتلاهم بالتمكين من الفعل وتركه لما أعد لهم من الثواب العظيم والعذاب الأليم.
  (قالوا) أي من تقدم ذكره من المخالفين لنا (لو أمكن) أي لو صح مقدور بين قادرين متفقين (لصح) وجوده (منهما) حال كونهما (مختلفين) بأن يريده أحدهما ويكرهه الآخر كما سبق ذكره عنهم (فيكون) ذلك المقدور (موجوداً) بالنظر إلى من أراد حصوله (معدوماً) بالنظر إلى من كره حصوله من القادرين (دفعة) أي في وقت واحد (وذلك محال)؛ لأن فيه اجتماع النقيضين وهو محال.
  (قلنا) جواباً عليهم: (لا يلزم) من إمكانه بين قادرين متفقين (اطراده) أي اطراد إمكان المقدور بين قادرين في المتفقين والمختلفين (لتضاد العلتين) في إيجاد الفعل وإعدامه؛ (لأن العلة في صحة المقدور بين القادرين المتفقين الاتفاق) أي اتفاقهما في طلب حصوله (و) العلة (في تعذره بين) القادرين (المختلفين الاختلاف) أي اختلافهما في تحصيله (فيجب الامتناع مع الاختلاف)، أي: امتناع مقدور بين قادرين مختلفين ولا يلزم منه الامتناع مع الاتفاق لما تبين من تضاد العلتين وذلك (كالفاعل الواحد) فإنه يمكنه إيجاد الفعل أو إعدامه لاتحاد العلة والاتفاق كالاتحاد ويستحيل منه إيجاده وإعدامه في حال واحدة لاختلاف العلتين حسبما ذكره # بقوله: (إذ إيجاده له وإعدامه منه دفعة) واحدة (محال) وإذا
(١) الذي في الأصل: خلق الله، وفي (ب): خلق لله.