(فصل): في الإرادة
  تفترق إرادته وصنعه بل صنعه مراده ومراده إيجاده وإنما تتقدم الإرادة فعل المفعول إذا كان الفعل مخالفاً للمفعول المجعول وكان الفعل متوسطاً بين الفاعل ومفعوله فحينئذ تقدم إرادة المريد أفاعيله ومعموله وذلك فلا يكون إلا في المخلوقين ولن يوجد ذلك أبداً في رب العالمين.
  إلى قوله #: وكلما أوجده الرحمن فهو فعل لذي الجلال والسلطان ولا يقال: إنه مفعول إلا على مجاز الكلام المفعول(١) كما بينا وشرحنا من أنه لا يكون إلا وقد تقدم قبله الفعل من الفاعل ولا يكون فعل بين مفعول وفاعل إلا وهو حركات بأدوات وتخيّل(٢) وتفكر وآلات فتعالى عن ذلك ذو المن والجلال.
  إلى قوله #: فإن قال قائل ذو مقال من المتكمهين الضلال المتعلقين بالشبهات والمحال: أليس قد أراد الله من الخلق أن يطيعوه ويعبدوه ولا يعصوه فهل كان ما أراد ذو الجلال والسلطان.
  فإنكم إن قلتم: إنه قد كان ما أراد أوجبتم أن يكون الخلق كلهم مطيعين، وإن قلتم: لم يكن ما أراد فقد أقررتم بتقديم إرادة الله.
  قلنا: إن إرادة الله في فعله هي خلاف إرادته في فعل غيره وكلامنا فإنما هو في فعل الرحمن وأما إرادته جل وعلا في أفعال عباده فإنما هي إرادة نهي وأمر لا إرادة حتم وجبر أراد منهم الطاعة غير مكرِه لهم عليها كما أراد أن لا يكون منهم المعصية غير حائل بينهم وبينها بل بالطوع منهم أراد كونها لا بالإكراه والقسر لهم عليها والإجبار فأمرهم ونهاهم وبصرهم وهداهم ومكنهم من العملين وهداهم في ذلك للنجدين، ثم قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٨٤}[القصص].
  ثم قال ﷻ عن أن يحويه قول أو يناله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
(١) كذا في الأصل، وفي مجموع الإمام الهادي #: المعقول.
(٢) كذا في الأصل، وفي مجموع الإمام الهادي #: وتحيل.