[فصل في وصف الله تعالى بأنه مريد]
  من الأدلة (وما فعله غير المريد فليس بحكمة والله سبحانه حكيم) لا يفعل ما ليس بحكمة فلو كان تعالى غير مريد لأفعاله لم يكن حكيماً ولم تكن أفعاله حكمة.
  (وأما السمع فقال الله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس]، وقال الله سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥])، فأثبت سبحانه وتعالى لذاته الإرادة وغير ذلك كثير.
  (وكذلك يوصف جل وعلا بأنه) سبحانه (كاره عقلاً وسمعاً:
  أما العقل) فلأن الكراهة ضد الإرادة فمن أراد شيئاً لزم منه أن يكره ضده.
  وأيضاً (فلأن الحكيم لا يكره إلا ما كان ضد الحكمة) ومن المعلوم أنه لا بد للحكمة من ضد وإلا لما علم كونها حكمة.
  (وأما السمع فقال سبحانه) وتعالى في صفة المنافقين: ({وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ...} الآية [التوبة: ٤٦])، ونحو ذلك إذا ثبت ذلك وصح بالاتفاق كون الله سبحانه وتعالى مريداً وكارهاً (فإرادة الله) سبحانه و (تعالى إدراكه بعلمه حكمية الفعل) أي علمه باشتمال الفعل على المصلحة (وكراهته جل وعلا إدراكه بعلمه قبح الفعل) أي علمه باشتمال الفعل على المفسدة وضد الحكمة فالإرادة والكراهة على هذا راجعة إلى معنى الإدراك أي علم الله سبحانه بكون الفعل حكمة أو مفسدة وهو سبحانه لم يزل عالماً بذلك قبل وجود المعلوم (والمعلوم عند العقلاء أن إدراك المعلوم) أي إدراك الفعل المشتمل على حكمة أو مفسدة (غير العالم) وهو الله (وغير المعلوم) وهو ذلك الفعل؛ لأن إدراك الشيء غير الشيء قطعاً.
  (ولا يلزم من ذلك) أي من قولنا إن إرادة الله سبحانه إدراكه بعلمه حكمية الفعل وأنها غير العالم وغير المعلوم أن تكون تلك الإرادة (توطين النفس) على الفعل فتكون حينئذ عرضاً حالاً في غيره (لأن التوطين هو