(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات
  (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ٢٠٥}[البقرة]، وقال تعالى): {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[الزمر: ٧]، وقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ٣٨}[الإسراء]، والمراد لا يكون مكروهاً فيلزم أن تكون المعاصي غير مرادة.
  وقال تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} ثم قال بعد ذلك: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨}[الأنعام].
  قال الإمام يحيى: وهذه الآية فيها دلالة على فساد مذهبهم من وجوه خمسة:
  أما أولاً: فإن الله تعالى حكى صريح مذهبهم ثم رد عليهم بقوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
  وأما ثانياً فقوله تعالى: {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} والبأس هو العذاب وهو لا يستحق إلا على الأمور الباطلة ومخالفة الحق.
  وأما ثالثاً: فقوله تعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} وهذا تهكم من الله تعالى واسترذال لهم فيما زعموه وتجهيل لهم فيما قالوه.
  وأما رابعاً فقوله تعالى: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} وهذا يدل على جهلهم فيما اعتقدوه وأنهم ليسوا على بصيرة منه.
  وأما خامساً فقوله تعالى: {وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨} أي تكذبون والخرص هو الكذب.
  قال: وقد زعم الرازي رد هذه الآيات فقال في قوله تعالى: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ...} الآية أن التهكم والتجهيل لهم ما كان على إرادة شركهم وإنما وقع التوبيخ لهم لأنهم كانوا يقولون ذلك لا عن اعتقاد بل على سبيل السخر والاستهزاء.