شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل) في تعلق الإرادة بالكائنات

صفحة 99 - الجزء 2

  يكون تعالى متكلماً في الأزل وليس ذلك إلا بأن يكون متكلماً بكلام غير هذه الحروف والأصوات لاستحالة حصول هذه الأمور في الأزل وهذا هو الذي نريده بالكلام النفسي.

  والجواب من وجهين:

  أما أولاً: فنحن لا نسلم التلازم بين هاتين الصفتين فمن أين يلزم إذا لم يكن تعالى متكلماً أن يكون أخرس أو ساكتاً وما المانع من خلوه تعالى عن هاتين الحالتين في الأزل فلا يكون متكلماً ولا يكون أخرس ولا ساكتاً.

  وأما ثانياً: فهب أنا سلمنا التلازم بينهما فإنما لزم في حق الواحد منا إذا لم يكن متكلماً أن يكون أخرس أو ساكتاً لمَّا كان متكلماً بآلة يفعل الكلام بها فأما الله تعالى فليس متكلماً بآلة فلا يلزم إذا لم يكن متكلماً أن يكون ذا خرس وسكوت.

  لا يقال: المعلوم بالضرورة أن الواحد منا إذا لم يكن متكلماً فهو ساكت لا محالة فكان يلزم أن يكون الله تعالى إذا لم يكن متكلماً في الأزل ساكتاً وهذا ظاهر الفساد والإحالة.

  لأنا نقول: إذا كان الغرض بالسكوت هو عدم الكلام فنحن نقول هكذا؛ فإنا نقول: إن الله تعالى ساكت في الأزل بمعنى أنه ليس فاعلاً للكلام وهذا لا استحالة فيه، وإن كان الغرض بالسكوت هو لحوق آفة وفساد آلة فلسنا نقول بهذا فإن الله تعالى ليس بذي آفة ولا له آلة فيلحقها الفساد والتغيير.

  قلت: وحاصله أن الخرس والسكوت إنما يوصف بهما المتكلم بآلة وهو المخلوق لأنه المعلوم من لغة العرب والله تعالى متكلم لا بآلة فلا يجوز إطلاق ذلك عليه لإيهامه الخطأ ولأنه لا يصح ذلك في حقه تعالى إلا مجازاً ولا بد في إطلاق المجاز عليه تعالى من إذن الشارع كما سبق ذكره فبطل ما تعلقوا به في إثبات الكلام النفسي على ما قرره الإمام يحيى # في الشامل.