[الدلالة على حدوث كلامه تعالى والرد على من يقول بقدم ذلك]
  الجهالة علواً كبيراً فثبت أنه يلزم من قدم الكلام الذي زعموه حصول النقص في حقه تعالى وحصول النقص عليه تعالى محال.
  قالوا: لو لم يكن القديم تعالى متكلماً بكلام قديم لوجب أن يكون متكلماً بكلام محدث، وباطل أن يكون متكلماً بكلام محدث؛ لأن ذلك الكلام لا يخلو حاله إما أن يكون حالاً فيه أو في غيره أو يوجد لا في محل، ومحال أن يكون حالاً فيه؛ لأنه تعالى يستحيل في ذاته أن تكون محلاً لشيء من الحوادث.
  ومحال أن يكون حالاً في غيره؛ لأن اختصاصه بذلك الغير أحق وأولى ومحال أن يكون موجوداً لا في محل؛ لأنه مدرك ولا يمكن إدراكه إلا على محله.
  فإذا بطلت هذه الأقسام كلها بطل أن يكون متكلماً بكلام محدث، وثبت أنه متكلم بكلام قديم.
  والجواب: أما أولاً: فالمتكلم عندنا هو فاعل الكلام فإذا كان القديم تعالى فاعلاً للكلام وجب أن يكون متكلماً.
  فأما حلول الكلام وعدمه فهو نظر خارج عما ذكرناه.
  وأما ثانياً: فلأنه تعالى إذا جاز أن يكون منعماً بنعمة موجودة في غيره ومحسناً بإحسان موجود في غيره جاز أن يكون متكلماً بكلام موجود في غيره، والجامع بينهما هو أنها كلها أسماء اشتقاقية الأصل فيها كلها وفي صحة إطلاقها وجريها على فاعلها وجود الفعل لا غير.
  وقالوا: لو لم يكن القديم تعالى متكلماً بكلام قديم لكان قد حصل متكلماً بعد أن لم يكن متكلماً، وهذا تغير في ذاته تعالى والتغير على ذاته محال فيجب أن يكون تعالى متكلماً بكلام قديم.
  والجواب أنا نقول: ما تعنون بالتغير فإن أردتم به أن ذاته تعالى قد صارت غير ما هي فهذا باطل لا نقول به.
  وإن أردتم به أنه حصل متكلماً بعد أن لم يكن متكلماً فهذا حق ولا استحالة فيه.