[شبه عقلية وسمعية للمجبرة والجواب عليها]
  وهذا ينقض الحكمة ويبطلها.
  والجواب والله الموفق: أنا لا نسلم الوجوب كما زعموه بل نقول: إن الفعل عند الداعية يجوز حصوله ويجوز ألا يحصل؛ لأنه لو كان واجباً حصوله لبطل الأمر والنهي، وحسن المدح والذم والثواب والعقاب؛ لأنه حينئذ لا يعقل شيء من هذه الأمور وهذا باطل بالضرورة.
  وقولهم: لو كان الفعل عند الداعية جائزاً أن يحصل وجائزاً أن لا يحصل للزم أن يكون حصوله ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجح وهو محال.
  قلنا: إن الجواز هو الإضافة إلى القدرة فأما الداعية فليس الجواز مضافاً إليها وإنما لها حظ التعيين والترجيح لما كان جائزاً بالقدرة فلهذا لم يكن ترجيحاً لغير مرجح كما توهموه، وعلى هذا التقرير يكون الاختيار باقياً بالقدرة والجواز حاصل بالإضافة إليها، والرجحان مضاف إلى الداعية والتعيين منسوب إليها فيكون ما يحتاج إليه الفعل حاصلاً على هذا التحقيق ويكون الاختيار صحيحاً.
  فيبطل ما ذكروه من التشنيع في بطلان الحكمة والحمد لله. كذا ذكره الإمام يحيى #.
  قلت: ويمكن أن يقال: قولكم: لو كان الفعل عند الداعية جائزاً أن يحصل وجائزاً ألا يحصل للزم أن يكون حصوله ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجح وهو محال باطل.
  أما أولاً فلأن حصوله لا يلزم منه أن يكون ترجيحاً لأحد طرفي الممكن لغير مرجح لأن التأثير في الحصول مضاف إلى القدرة فقط، فمن أين لكم أن حصوله يستلزم الترجيح؟ وما المانع من أن يكون الحاصل المرجوح دون الراجح لأن الداعي لا تأثير له في الفعل البتة.
  وأما ثانياً: فلأن الفعل قد يحصل لغير مرجح وقد التزمتموه أنتم حيث قال الرازي وهو إمامكم في كتابه المسمى الأربعين: إن الآكل يأكل من أي جوانب