(فصل): في الدلالة على أن الله تعالى عدل حكيم
  علم أنه قد استحقه فأنظره الله جل اسمه إلى يوم البعث كما وعده ولم يكن استنظار اللعين من موت لأن الجن خلق معمرون خلقهم الله جميعاً ويميتهم إذا شاء جميعاً.
  وقال أيضاً: اعلم أن الله تبارك وتعالى لم يجعل الأكل والشرب إلا لبني آدم وما خلق الله تبارك وتعالى معهم في الأرض من البهائم فأما الملائكة والجن فلم يجعل الله لهم الأكل وجعل لهم من الملاذ ما يتنعمون به ويسرون فإذا كان في دار الآخرة أعطى الله كل عبد من النعيم ما أعطاه في دار الدنيا ولما في الآخرة من الفضل لأنه خلق للبقاء وكلما خلق في الدنيا فإنما خلق للفناء.
  والجن يومئذ يوصل إليهم ما لهم فيه لذة ونعيم مما قد جعل الله لهم فيه مقنعاً وسروراً فاعلم ذلك. انتهى.
  واعلم أن القرآن قد ورد أن الشيطان يضل ابن آدم ويوسوس له واختلف الناس في كيفية ذلك.
  قال الهادي # في جواب مسائل أبي القاسم الرازي |: وسألت عن وسوسة إبليس كيف تكون منه إلى الآدمي: والوسوسة منه فإنما هي المقاربة والمداناة والموالفة والمساواة وذلك أن إبليس اللعين بُنِي على الفطنة والدهاء والسرعة والمعرفة بمعاني الأشياء التي ربما عرفها الآدميون واستدركها منهم الفطنون فيعرف إبليس اللعين في حركات الإنسان ووجهه دلائل يستدل بها على ما أضمر في قلبه من المعاصي لربه فإذا رأى تلك الدلائل والعلامات في وجهه استدل بهن على بعض ضميره.
  إلى قوله #: فإذا أيقن إبليس بذلك من الآدمي دانى(١) قَلَبْه وقاربه ولاصقه وإبليس فَهمُّه وإرادته ومعناه المعصية واللعنة فإذا قارب هذا الشكل
(١) في هامش الأصل: دانا.