(فصل): في الدلالة على أن الله تعالى عدل حكيم
  وثانيها: أغفلناه أي وجدناه غافلاً كما تقول: أبخلته إذا وجدته بخيلاً.
  وثالثها: أغفلنا قلبه أي تركناه بغير سمة وعلامة أي لم نسمه بالذكر ولم نجعله ممن كتبنا في قلبه الإيمان من قولهم: خط غُفَل إذا كان غير محروس بالنقط والشكل عن الالتباس.
  قلت: ولعل هذا بناء على أن المؤمن يجعل الله في قلبه سمة وعلامة لظاهر قوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ}[المجادلة: ٢٢]، وقد ذكرنا فيما قبل خلافه والله أعلم.
  قال الإمام يحيى #: والنوع الرابع الآيات التي يذكر فيها نفي الهداية كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ٦٧}[المائدة]، ونحوها.
  قال: والجواب عن هذه الآي نجريه على منهجين كما سلف في غيره من هذه الأنواع:
  المنهج الأول: أنا قد قررنا فيما سبق أن لفظ الهدى يطلق ويراد به معنيان:
  أحدهما: نصب الأدلة العقلية والإرشاد والبيان.
  وثانيهما: الفوز بالحظوة والظفر بالمطلوب والبغية فإذا كان لفظ الهدى يطلق على هذين المعنيين وكان الله تعالى قد نفى الهداية عن الكفار والفساق وجب حمله على ما يلائم الأدلة العقلية وتقضي به الحكمة.
  ولا شك أن حمله على الوجه الأول لا يصح؛ لأن الله قد هدى جميع الخلق وأوضح لهم الأدلة وأبانها فيجب حمله على المعنى الثاني بمعنى أنه لم يظفرهم بالمطلوب ولا أحظاهم بالبغية من فضله وجوده لأجل كفرهم وفسوقهم.
  ثم ذكر # المنهج الثاني التفصيلي على نحو ما مر تركته اختصاراً إلى أن قال: فهذا هو الكلام على مطاعنهم على الحكمة العقلية والسمعية قد حصرناها وضبطناها بمبلغ الوسع وما شذ منها على الندرة مما لم نذكره فمن أحاط علماً بما ذكرناه لم يخف عليه عوار ما سواه مما يوردونه والحمد لله.