(فصل): يذكر فيه # بيان وجه الحكمة في خلق المكلفين وسائر المخلوقين وما يتصل بذلك
  (لنا: قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}[الذاريات])، أي ما خلقتهم إلا لعبادتي وطاعتي (وإلزامه تعالى لهم) أي للمكلفين (عبادته) جل وعلا (عرض) منه تعالى لهم (على الخير) أي على إيصال الخير إليهم (الذي هو الفوز بالجنة والسلامة من النار).
  فإذا كان كذلك وكانت أعمال التكليف اليسيرة المنقطعة سبباً إلى الفوز بالنعيم الدائم الكثير الذي لا يحصى له عدد ولا ينتهي إلى أمد تفضلاً منه جل وعلا على الفعل اليسير بالشيء العظيم والنعيم الدائم الجسيم فأي تفضل يساوي هذا أو يقرب منه أو يدانيه وهذا نص فيما ذهبنا إليه من أنه تعالى خلق الخلق للتفضل عليهم؛ (إذ لا يكون) ذلك أي الفوز بالجنة والسلامة من النار (لأحد من المكلفين إلا لمن عبده) أي أطاعه؛ (لما يأتي إن شاء الله تعالى) في فصل الإثابة.
  (قالوا): أي المجبرة: (قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[الأعراف: ١٧٩])، وهذا صريح في أنه تعالى خلق كثيراً من الجن والإنس لغرض وهو إدخالهم النار فكذلك يكون خلق كثيراً من الجن والإنس للجنة.
  (قلنا) رداً عليهم: (اللام) في قوله: «لجهنم» (للعاقبة) أي تسمى لام العاقبة أي المآل أي ما يؤول إليه كثير من الجن والإنس (كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}[القصص: ٨])، أي يكون مآل أمر موسى # عدواً لهم وحزناً، لا للغرض إذ المعلوم أنهم لم يلتقطوه لغرض العداوة والحزن وإنما التقطوه لغرض التبني والنفع لهم وذلك كقول الشاعر(١):
  لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى ذهاب
  وقول الآخر:
(١) الشاعر: هو أبو العتاهية: والبيت مذكور في ديوانه.