(فصل): في ذكر الآلام وما في حكمها
  قلنا: أنكرنا حصول هذه الآلام من الطبائع لأنها غير حية ولا قادرة والفعل لا يصح إلا من حي قادر على ما أجمع عليه أهل الإسلام وأيدناه بالبرهان في مسألة قادر وأنكرنا حصول هذه الآلام من الإحالات لأن الإحالات لا تخلو إما أن تكون معقولة حتى يصح إضافة الفعل إليها أو غير معقولة.
  فإن كانت غير معقولة استوى نفيها وإثباتها في باب الجواز لأن إثبات ما لا يعقل لا يكون أولى من نفيه فوجب القضاء بفساده كما لزم ذلك الأشعرية في إثباتهم رؤية الباري تعالى رؤية غير معقولة فراراً مما لزم المجسمة.
  وإن رجع بالإحالة إلى شيء معقول فذلك الشيء لا يخلو إما أن يكون محدثاً أو قديماً ولم نذكر المعدوم لأن إضافة الأفعال إليه مستحيلة؛ لأنا نعلم تعذر الفعل على الموجود إذا عدمت قدرته وحياته فكيف يضاف إلى المعدوم مع عدم ذاته وقدرته واستحالة ذلك في العقول أبعد، {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ٢٦٩}[البقرة].
  فإن كان يريد بقوله حصل بالإحالة القديم سبحانه.
  قلنا: هذا وإن صح من جهة المعنى من حيث إنه لا يقدر على تقليب العباد من الخير والشر إلا الله ليشكروا على أحدهما ويصبروا على الآخر فيعطيهم على الشكر أجر الشاكرين وعلى الصبر أجر الصابرين ويرغب بالخير في خير الآخرة ويخوفهم بالشر من شر الآخرة وهذه وجوه لا تمنع منها الحكمة فذلك قبيح من جهة العبارة قبحاً لا يؤمن انتهاؤه إلى الكفر؛ لأن إطلاق الأسماء عليه تعالى لا يجوز إلا بشرع أو لغة ولا دليل في واحد منهما على تسمية الباري سبحانه إحالة بل الفاعل عموماً وإن رجع بالإحالة إلى أمر محدث فالمحدث هو الأجسام والأعراض ولا يجوز حصول الآلام وسائر المحن من الأجسام.
  أما الجماد فظاهر، وأما الحيوان فلأنه قادر بقدرة والقادر بالقدرة لا يعدي الفعل إلى غيره إلا بأن يعتمد في جسم يوصله إليه لأن الاختراع عليه في غير جسم مستحيل ونحن نعلم ضرورة أن هذه الآلام وقعت علينا من غير اعتماد من غيرنا عداها في جسم إلينا يعلم ذلك كل عاقل.