(فصل): في ذكر الآلام وما في حكمها
  بل ربما يفزع إلى اعتماد الغير عليه لدفع بعض الألم وبهذا يبطل قول المجوس إن الآلام من الشيطان أعني الفرقة التي زعمت أن الشيطان حدث من فكرة يزدان الردية وهي عندهم أصل قوله: لما خلق العالم خالصاً من الآلام والشوائب لو كان لي منازع في هذا الملك أُصِح ويُسقِم ويَبتَلِي وأُنعِم وأُشِب ويُهرِم كيف كان حالي معه فتولد من فكرته بزعمهم الشيطان فقال: ها أنا منازعك فكادا يقتتلان إلى أن اصطلحا على إخلاص العالم العلوي ليزدان ومشاركتهما في العالم السفلي، وكان السفير بينهما في الصلح بعض النيرات منهم من قال إنه القمر إلى خرافات تقضي ببطلانها أدلة العقول بل بدائهها، والفرقة التي زعمت أنه(١) استحال من عفونة العالم.
  لأنا نقول لهاتين الفرقتين: هو محدث بالضرورة فيلزم من ذلك كونه قادراً بقدرة والقادر بالقدرة يستحيل منه تعدية الفعل إلى غيره إلا بآلة من الأجسام يعتمد فيها ثم يصل إلى ذلك الغير، ونحن لا نعلم عند الألم وصول جسم إلينا ولا تأثيره فينا، وكذلك جميع العقلاء.
  فأما من ذهب من المجوس بقدم إهرمن فقوله يبطل بقدم الثاني وقد دخل قول من قال من المطرفية إن الألم حاصل من جهة الشيطان تحت هذا القول فيبطل بما يبطل به.
  إلى أن قال #: فإن قيل: فما معنى قول أيوب # على وجه الاستفادة؟
  قلنا: المراد بالنُّصْبِ والعذاب هاهنا الوسوسة ففزع إلى الله تعالى ليعرف حكم الحادثة؛ لأنه لما أقسم ليجلدن امرأته مائة جلدة وكان إذا أجمع ~ على ذلك وسوسه بأن نبياً من أنبياء الله يجلد امرأة مؤمنة مائة جلدة في غير حق الله سبحانه هذا لا يجوز، فإذا أضرب عن جلدها - ولم يكن من شرعه ~ الكفارة لولا ذلك لكفر عن يمينه ولم ينصب - ألقى إليه: نبي من أنبياء الله يحلف بالله
(١) أي الشيطان. من هامش الأصل.