شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[الألم من الله لغير المكلف حكمة]

صفحة 183 - الجزء 2

  الذي يدل على أنها أي الآلام حسنة فلأنها أفعال الحكيم الغني على الإطلاق، والحكيم الغني على الإطلاق لا يفعل إلا الحسن.

  فإن قيل: فما وجه الحكمة فيه مع أنه ألم ومضرة؟

  قلنا: لا يلزمنا تبيين ذلك كما قال جدنا العالم القاسم بن إبراهيم ~ للملحد وقد سأله عن مثل ذلك؛ لأن مذهب الملحدة كما بينا أولاً على اختلاف طبقاتهم التي ذكرناها لا يختلفون في نفي الآلام والامتحانات عن الله تعالى ولذلك قال الملحد في مسألته لجدنا ترجمان الدين #: أخبرني كيف يكون حكيماً من خلق خلقاً فآلمه بأنواع الآلام وامتحنه بضروب من الامتحان أخبرني عن وجه الحكمة في ذلك من الشاهد؟

  قال القاسم #: وجه الحكمة في ذلك من الشاهد أنا رأينا من الآلام في الشاهد ما هو إحسان أو داعي إلى الإحسان من ذلك ضرب المؤدبين للصبيان، ومنه الفصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة كل ذلك إحسان وداعي إلى الإحسان فكل ما هو كريه من قبل الله تعالى الموت والمرض والعذاب وغيره فحسن في الصنع وصواب في التدبير.

  فقال له الملحد: فما الحكمة فيه؟

  فأجابه # بأن تبيين وجه الحكمة في ذلك لا يلزم بقوله: ولو لم يعلم علل ذلك وأسبابه لكان جائزاً لأنك إذا سلمت في الأصل أنه حكيم فالحكيم لا يفعل فعلاً إلا لحكمة.

  فإن قيل: أنبئونا بذلك على وجه الإفادة إذ منكم البداية وإليكم الإعادة.

  قلنا: وجه الحكمة في ذلك أن العبد مع الألم يكون أقرب إلى طاعة الله تعالى والتضرع إليه، وقد قال سبحانه: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ}⁣[يونس: ١٢]، وما قرَّب إلى ذكر الله وطاعته فلا خلاف بين أهل الإسلام في حسنه.