(فصل): في ذكر الآلام وما في حكمها
  فإن قيل: هذا مسلم ولكنا نرى الألم يباعد من الطاعة فكأنكم أردتم الاحتجاج بأمر أناخ عليكم بكلكله، يوضح ذلك أن المريض ربما عجز عن الصلاة قائماً وعن الطهارة والصيام.
  قلنا: الطاعة هي فعل ما أمر به المطاع دون غيره مما لم يؤمر به ألا ترى أن النبي ÷ لم يوصف ولا يجوز وصفه بالبعد عن طاعة الله تعالى طرفة عين وقد أقام لا يصوم ولا يصلي قبل الأمر بذلك دهراً طويلاً فلما صلى ÷ تبتل إلى خالقه تبتيلاً والله تعالى لم يأمر المريض العاجز عن القيام بالتطهر والصلاة قائماً متوضياً.
  ويؤيد ذلك قوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]، وللمريض زيادة الخشوع والانقطاع الذي يعلمه كل عاقل منصف من نفسه.
  فإن قيل: إذا ثبت هذا في حق المكلفين فما وجه الحكمة في ألم الأطفال؟
  قلنا: ليعتبر بهم المكلفون ويعوضهم على ذلك رب العالمين، والله تعالى قد ذخر لهم على إيلامهم ما يصغر عندهم الآلام ويهون المشاق فلذلك حسن ألمهم وظهر وجه الحكمة فيه.
  يزيد ذلك ظهوراً: أن كل عاقل منصف يعلم أنه يحسن من الآباء إيلام أبنائهم لتأديبهم وتصرفهم في وجوه مكاسبهم وربما كان نفعاً يعود على الآباء فإن عاد عليهم فهو مظنون الحصول، وقليل البقاء بعد التحصيل، فإذا حسن ذلك من الآباء بالاتفاق لهذا الغرض وقد ثبت أن الله تعالى غني عنا ولا يريد إلا مجرد نفعنا مع أنه أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وأحسن نظراً لنا ويعلم الغيب فلا يعرضنا إلا لنفع يصل إلينا لا محالة حسن في عقل كل عاقل بطريقة الأولى إيلامه لنا في حال الطفولية لما يحصل لنا على ذلك من الأعواض الباقية الدائمة ويذخر لنا من المنافع الخالصة من الشوائب في الآخرة، وقد قال رسول الله ÷: «نحن معاشر الأنبياء أشد بلاء، والمؤمنون الأمثل فالأمثل» فأخبر # أن البلوى تنزل بمن لا يستحق