شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل: في ذكر العقل)

صفحة 83 - الجزء 1

  # بينما هو جالس وشيخ يعمل بمسحاة ينثر بها الأرض فقال عيسى #: «اللهم انزع عنه الأمل» فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة فقال عيسى #: «اللهم اردد إليه الأمل» فأخذ المسحاة وجعل يعمل، فسأله عيسى # عن ذلك؟ فقال: بينما أنا أعمل قالت لي نفسي: إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير، فألقيت المسحاة واضطجعت، ثم قالت لي نفسي: والله لا بد لك من عيش ما بقيت، فعمدت إلى مسحاتي.

  وكان النبي ÷ يقول: «اللهم إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة، وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات، وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل».

  ولما في خلق النفس من زيادة التكليف بالاختبار والامتحان أي: التمييز بين المطيعين والعاصين بما يظهر عند البلوى من أسرارهم؛ لأنه سبحانه وتعالى لعدله وحكمته لا يعذب على ما يعلم أنه سيكون من معاصي العباد قبل ظهورها، وظهورها لا يكون إلا بالامتحان كما قال سبحانه وتعالى: {الم ١ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ٢ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ٣}⁣[العنكبوت]، وقال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}⁣[آل عمران: ١٧٩]، ولو أخلا الله سبحانه العقول المركبة في البشر عن هوى النفوس لم يظهر الفرق بين من يحكّم عقله على هوى نفسه، وبين من يؤثر هوى نفسه على عقله، ولا الفرق بين الملائكة $ وغيرهم، ولو أخلى الله سبحانه هوى نفوس المكلفين من البشر عن العقول لأشبهوا البهائم.