شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل:) في حقيقة التكليف ووجه حسنه

صفحة 272 - الجزء 2

  (وأيضاً فإنا) نستدل على عدم تكليف أبي جهل بالعلم بأنه كافر بدليل آخر فـ (نقول: لم يكلف أبو جهل بالعلم بأنه كافر) كما زعمه الأشعري (لحصوله) أي العلم بأنه كافر (عنده) أي عند أبي جهل (بسبب كفره) فهو عالم بأنه جاحد لما جاء به النبي ÷ ومنكر لشرعه وإذا كان عالماً بذلك كان تكليفه بأن يعلم ذلك محالاً؛ (إذ) هو (تحصيل الحاصل) وتحصيل الحاصل (محال).

  (وكذلك أمر الحكيم به) أي بتحصيل الحاصل فهو (محال) فلا يأمر به تعالى؛ لأنه ينافي الحكمة (فثبت أنه لم يكلف) أبو جهل (إلا بالإيمان) بالله تعالى (فقط) لا بالعلم بأنه كافر وذلك واضح.

  قلت: وهذا الدليل حيث كان المراد بالكفر هو جحد ما جاء به الرسول ÷ وإنكاره لأن أبا جهل يعلمه قطعاً.

  وأما إن كان المراد بالكفر هو كونه من أهل النار فلا قطع بأن أبا جهل قد علم ذلك لأن الله سبحانه إنما أعلم نبيه بذلك فهو كقوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}⁣[هود: ٣٦].

  ثم ولو فرضنا أنه علمه فهو ليس بمكلفٍ أنه يعلمه كما في قصة أبي لهب فهو وإن كان قد سمع قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ٣}⁣[المسد]، فإنه منكر لكونه كلام الله سبحانه.

  قيل: وأيضاً فإن قوله: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ١} خرج مخرج الوعيد لا الإخبار المحض وبينهما فرق وهو أن الوعيد مشروط من جهة المعنى بعدم التوبة، وفيه نظر.

  وهذان الدليلان على بطلان تكليف ما لا يطاق من جهة العقل.

  وأما السمع فهو وإن كان لا يصح الاستدلال به في هذه المسألة عند الجمهور فهو مثير لدفينة العقل ومؤكد له.