(فصل: في ذكر العقل)
  قال السائل: ألستم تزعمون وبغير شك تقولون: إن الله قسم العقول بين خلقه، وجعلها له حجة فيهم، نعمة أنعم بها عليهم، وأيادي أكملها لديهم، ثم تقولون: إنه افترض عليهم فروضاً فجعلها عليهم كلهم شرعاً سواء إن أدوها أثيبوا، وإن تركوها عوقبوا؟ ثم تقولون ونقول: إن ذلك لا ينال إلا بالعقول، وقد نرى اختلاف العقول في الناس أجمعين، فنعلم أنهم فيها متفاضلون، وأن ليس هم فيها على القسمة متساوين، فأين ما تحوطون من عدل رب العالمين؟ وقد ساوى بين عباده فيما افترض عليهم، وجعل ذلك سبحانه سواء فيهم، ثم فضل بعضهم على بعض فيما لا ينال أداء ما فرض من الطاعات، ولا يوصل إلى تمييز شيء من شيء إلا به من الآلات، من العقل الرصين، والفهم المبين.
  قلنا لهم: قد سألتم، فاستمعوا ما به أُجِبتم، فكذلك بالعدل على الله نقول، [وفي كل أمرنا لله سبحانه نحول(١)]، وسنبين لكم - إن شاء الله - الجواب، ونشرح لكم ما تتكمهون فيه من الارتياب، ونختصر ذلك لكم بما يقر في أفهامكم، ويثبت إن كنتم للحق طالبين مريدين في ألبابكم، فنقول:
  إن الله سبحانه وتعالى افترض على خلقه فروضاً، وأوجب عليهم سبحانه أموراً، ثم أعطاهم ما بأقل قليله يُنال أداء ذلك من الآلات، ويقتدر على أدائه متى قُصد من الساعات، فجعل في أقلهم عقلاً من العقل ما ينال بأقل قليله تمييز ما أوجب الله عليه تمييزه، والإحاطة بما أوجب عليه الإحاطة به من معرفته، والإقرار بوحدانيته، والأداء لكل فريضة، فساوى بين عباده فيما إليه يحتاجون، وله في فرائضهم يستعملون، ثم زاد - بعد أن ساوى بينهم في الحجة - من شاء فضاعف له العطاء والكرامة، وأزاده في العقل والسلامة، كما زاد بعضهم بسطة في العلم والجسم، فليس للمخلوقين على الله في ذلك حجة؛ إذ قد أنالهم من
(١) كذا في الأصل، وفي (ب): وفي كل أمر بالله سبحانه نحول. وفي كتاب الهادي #: وفي كل أمرنا فبه سبحانه نحول.