(فصل): [وجوب معرفة الرسل على المكلفين]
  فإن قيل: إذا كان التنوير إنما حصل بسبب الصلاة وقد ثبت أن التنوير لطف في النهي عن الفحشاء والمنكر فكذلك سببه وهو الصلاة تسمية للمسبب باسم مسببه.
  قلنا: وإن سلمنا لكم ذلك فكلامنا في وجه وجوبها وهو لا يلزم من ذلك إنها إنما شرعت لأجل ذلك فهات الدليل كما دللنا على أن وجه وجوبها كونها شكراً.
  و (قالوا) أيضاً: (وردت الشرائع على كيفيات مخصوصة) كالقيام والقعود والطهارة وغير ذلك في الصلاة والسعي والمشي والوقوف وغير ذلك في الحج والإمساك عن الأكل في الصوم وغير ذلك (ولا تقتضي(١) ذلك نعمة السيد على عبده) أي النعمة لا تقتضي تلك الكيفيات المخصوصة وإنما تقتضي الاعتراف بها والتعظيم لموليها.
  (قلنا) جواباً عليهم: (بل تقتضي) نعمة السيد (الامتثال) من العبد (بفعلها) أي بفعل الشرائع (و) تقتضي (مطابقة مراده) أي مراد السيد (بتأديتها) أي تأدية الشرائع على الكيفية المرادة للشارع (ولذلك وجبت) أي ولأجل كون نعمة السيد تقتضي الامتثال لأمره وجبت الشرائع، (فلو كانت) أي الشرائع (لطفاً) في العقليات كما زعموا (لم تجب)؛ لأنها ليست مقصودة بالوجوب للشارع وإنما الواجب الحقيقي على قولهم هو العقليات والعبد متمكن من الإتيان بالواجبات العقليات من دون الشرائع فثبت أنه لا وجه لإيجابها حينئذ؛ (لأن الحكيم لا يوجب) على عبده (ما لا يجب) عليه إذ لا تعلق بين الواجب العقلي والشرعي.
  فإن قيل: ولم وردت الشرائع على كيفيات مخصوصة.
  قلنا: لا يجب علينا معرفة ذلك وإن كنا نعلم أنه لا بد من مصلحة على الجملة وجهلنا بها لا يبطلها؛ لأنه جل وعلا حكيم وأفعاله كلها حكمة.
(١) الذي في المتن: (يقتضي).