شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

[مفارقة المعجز للحيل]

صفحة 362 - الجزء 2

  قال: والدليل على مذهب أهل الإسلام أن الذي يأتي به الأنبياء $ من إحياء الموتى وقلب العصا حية وانفلاق البحار وقلب المدن وغير ذلك خارج عن الأمور المعتادة بحيث يعلم ضرورة أن ذلك مما لا يقدر عليه العباد فإن كل عاقل يعرف التفرقة بين ما يقدر عليه وبين ما لا يقدر عليه.

  ويعلم أن هذه الأمور وما شابهها مما أتى به الأنبياء $ مما لا يتمكن أحد من البشر أن يأتي بمثله بخلاف ما يفعله أهل الحيل والسحر والشعوذة فإنه يأتي بذلك كثير من الناس فلا بد من تفرقة بينهما لأجلها وجب في أحدهما أن يستحيل ظهوره إلا على من ادعى النبوة دون الآخر فإنه يصح من كل أحد ممن يتغنى فيه وفي أسبابه وليس ذلك إلا لأن أحدهما جارٍ مجرى التصديق لمن ادعى النبوءة دون الاخر الذي يظهر على يدي من يدعي ذلك ومن لا يدعيه.

  وأيضاً فإن جميع ما يجري على هؤلاء المشعبذين والسحرة لا يخلو من أمرين إما أن يكون على ما هو عليه وهذا نحو ما أجرى الله تعالى العادة في بعض الأحجار أنها تجذب الحديد وهي حجر المغناطيس وسواء جذب بها الساحر أو غيره قصد أو لم يقصد، وكذلك ما أجرى الله تعالى من العادة أن من طلى بالطلق المحلول لم يحرق ما طلاه وإن أدخله النار من أي فاعل كان وكذلك ما يخبر به أهل النجوم عند طلوع نجم فذلك مما أجرى الله سبحانه العادة بحدوثه إلا أنه عرف تلك العادة البعض دون البعض ويمكن كل أحد أن يقف عليها عند البحث والعناية فيه وهكذا ما يُسْهِل من الأشجار أو يقتل من السموم أو ينفع الله به عند تناوله كل ذلك له حقيقة في نفسه ولكن يمكن كل واحد معرفته بالتجربة والتعليم من أربابه، والمعجزات لا يمكن فيها ذلك أبداً.

  وأيضاً فإن السحر والطلسمات وما أشبهها تعرف أسبابها ويقصد من أرادها إلى تعلمها ويمكن من تَغَنَّى فيها أن يقف على وجوه الحيل وهذا بخلاف المعجزات فإنه لا يمكن الإنسان أن يتعلم خلق الحياة في الموتى ولا أن يتعلم