شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر نبوة نبيئنا محمد ÷

صفحة 390 - الجزء 2

  هكذا ذكره العنسي، وفي صحة هذا الخبر نظر لأن سفك الدماء إن كان بحق فلا يصح أن يكون ذنباً مانعاً من بناء بيت المقدس، وإن كان بغير حق فلا يكون من فعله نبياً، وإنما أتينا به للاستظهار على جواز النسخ، ولأن اليهود يروون هذا الخبر أو أن ذكر سفك الدماء مزيد فيه والله أعلم.

  قال العنسي: وهذه أحكام النسخ ولسنا نقول بأن النسخ إلا هكذا.

  قال: وورد النسخ أيضاً فيما قد اقترن به لفظ التأبيد ففي التوراة في العبد يستخدم ست سنين ثم يعتق في السابعة فإن أبى العتق فليثقب أذنه ويستخدم أبداً.

  وقال في موضع آخر: يستخدم خمسين سنة، وقيل في البقرة التي أمروا بذبحها يكون ذلك لكم سُنَّةً أبداً وانقطع التعبد بذلك عندهم، وغير ذلك.

  قال: فأما في شريعة محمد ÷ فأكثر من أن يحصى نحو: نسخ القبلة ونسخ الحبس في البيوت على الزانيات ونسخ العدة وغير ذلك فثبت أنه قد وقع النسخ في الشرائع المتقدمة والمتأخرة وفي شرائع بني إسرائيل.

  قال: واعتل المخالفون بأشياء منها: قالوا: لو نسخ الله شيئاً من الشرائع لكان بداء ولو جاز البداء عليه تعالى لكان قد ظهر له ما كان خافياً أو خفي عنه ما كان ظاهراً، وذلك لا يجوز.

  قال: والجواب أن النسخ ليس من البدا في شيء لغة ولا شرعاً: أما اللغة فلأن النسخ في اللغة هو الإزالة، والبدا في اللغة هو الظهور، قال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ٤٧}⁣[الزمر]، وهذان أمران متباينان فكيف يقال بأن النسخ هو البداء من جهة اللغة.

  وأما من جهة عرف الشرع فإن النسخ هو إزالة مثل الحكم الشرعي بطريق شرعي على جهة التراخي وهذا يقتضي تغاير الفعلين الذين تعلق بهما الأمر والنهي أو تغاير المأمورين ولا بد مع ذلك من الوقتين وتراخيهما وهذا بخلاف