شرح الأساس الكبير،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل): في ذكر نبوة نبيئنا محمد ÷

صفحة 395 - الجزء 2

  والملاحة ووافق ذلك منهم شدة العداوة لمن ظهر عليه القرآن وهو محمد # وكثرة الحسد له ولأمته وقلة الاعتناء بالآلات التي يعرف بها قدر القرآن وجلالة حاله من اللغة والنحو والأخبار والقصص والآثار وأخبار النبي # وأحواله وأحوال القوم الذين بعث إليهم وفيهم وما قالوه في القرآن.

  ووافق ذلك من هؤلاء الباطنية الملحدة أقماهم الله تعالى قلوباً شاكة في التوحيد مائلة إلى الإلحاد مغرمة بالتعطيل على ما استحقته من خذلان الله تعالى لها وإعراضه عنها ولعنه لها وذلك لأنه ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.

  وإذا اجتمع رين القلوب والخذلان مع الجهل والطغيان صاروا بلا محالة من العميان، ومن جهل شيئاً عاداه، ومن غبي عن شيء استقله، والجهالة عدو⁣(⁣١) الحكمة.

  والأمر في القرآن ظاهر غير خفي، ومشهور غير غبي أنه ظهر على محمد ÷ بين قوم أجم ما كانوا عدداً وأبرع ما كانوا براعة وفضلاً، وأشد ما كانت امتلأت الآفاق من غرر كلامهم وزهرة نباتهم ونفاذ فكرهم وقرائحهم وكثرة تفاخرهم بالفصاحة في الكلام والبلاغة في النثر والنظم والخُطب والرسائل وشدة الحمية وكثرة الغضب والكبر والعزة العزيزة، وقلة التواضع للمناوي والمفاخر.

  وأنه ÷ افتخر به وادعى لأجله المزية على جلَّتهم وأهل البراعة منهم، وتحداهم وقرَّع، وتوعدهم وفزّع، وسمعوا آيات القرآن في المحافل والأسواق والطرقات، والحضر والبادية، وأقام يقرعهم به ثلاثاً وعشرين سنة، وسمعوا قوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}⁣[الرعد: ٣١]، وقوله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}⁣[الحشر: ٢١]، وقوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}⁣[الكهف: ٥٤]، وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}⁣[الإسراء: ٩]،


(١) عدو: لفظٌ صالحٌ للمفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث. من هامش الأصل.